بمحتويات الكتاب نفسها ؛ ففى القسم الخاص بالنبات مثلا يعيد النويرى تصنيف النبات كما دونه الوطواط (٢٢) ؛ ومن هذا نجد أن التفاصيل من ناحية والتبويب من ناحية أخرى يشيران إلى ارتباط وثيق بين الكتابين.
ويعتبر شهاب الدين أخمد بن عبد الوهاب البكرى النويرى (٦٧٧ ه ـ ٧٣٢ ه ـ ١٢٧٩ ـ ١٣٣٢ (٢٣)) خير ممثل للوسط الذى عملت فيه ومن أجله الموسوعات ؛ وهو مصرى الأصل أخذ اسمه من اسم محلة غير كبيرة فى مصر العليا ، وقد اكتسب أبوه الشهرة ككاتب فى مختلف دواوين الحكومة وكان الابن من المقربين إلى السلطان الناصر الذى شمل أبا الفدا برعايته. وشغل النويرى لبعض الوقت منصب رئيس لكتبة إدارة الجيش بطرابلس الشام ثم فيما بعد منصب رئيس الكتبة فى عدد من المقاطعات المصرية. ويرتبط على السواء بالأعمال الإدارية وبالإنشاء الأدبى مصنفه الأساسى الكبير الذى رفعه إلى الملك الناصر. وعنوانه «نهاية الأرب فى فنون الأدب» يشير على وجه التحديد إلى المضمون الأدبى للمصنف والدور الحاسم الذى يلعبه فى هذا المقام لفظ «فن». ويبين لنا المؤلف نفسه الطريق الذى سلكه فى تنفيذ فكرته فهو يذكر أنه فى بداية نشاطه الأدبى قد أولى كل جهده إلى «الكتابة» ، ثم تحول إلى «الأدب» بمفهومه العام عقب ذلك. وقد جعل هدف موسوعته تلخيص جميع العلوم الاجتماعية مما يحتاج إليه كبار الكتاب ؛ وهذا الوضوح فى الهدف يتفق تماما مع ما هو ملحوظ فى كتابه من الانتظام الشديد فى العرض ولو أنه يقوم على أسس شكلية.
وإلى جانب الفنون الأربعة الموجودة لدى الوطواط يضيف النويرى «فنا» خامسا ويعدل كثيرا فى مادة «الفن» الثانى. وينقسم كل فن عنده إلى خمسة «أقسام» يحتوى كل واحد منها على عدد من الفصول يختلف مقدارها باختلاف الأقسام. فالفن الأول مفرد للسماء والأرض (ويشمل الجزء الأول من الطبعة المصرية) ، أما الفن الثانى فعن الإنسان (الأجزاء من الثانى إلى التاسع) والثالث للحيوان (الجزآن التاسع والعاشر) والرابع للنبات (الجزآن الحادى عشر والثانى عشر) والخامس للتاريخ. ولا تتفق الفنون فى أحجامها فالقسم التاريخى الذى يصل به المؤلف إلى العام السابق لوفاته (٧٣١ ه ـ ١٣٣١) يشغل بالتقريب نصف الكتاب ، أى أنه يمثل فى الطبعة ما يقرب من تسعة آلاف صفحة من القطع الكبير ؛ وإلى جانب التقسيم إلى فنون ينقسم الكتاب إلى أجزاء يصل عددها إلى واحد وثلاثين جزءا. وكان المؤلف خطاطا كتب بخط يده أربع أو خمس نسخ تامة من مصنفه هذا قدرت قيمة كل واحدة منها بألفى درهم ؛ وكان بمقدوره أن يخط ثمانين صفحة فى اليوم.
والقسم الجغرافى من الموسوعة يشغل القسمين الرابع والخامس من الفن الأول ، وفيه نلتقى بكل المعلومات المعروفة لنا عن خلق العالم والظواهر الجوية (meteorological) والعناصر وقياس الوقت والفصول ، وكذلك عن الأرض وأبعادها والأقاليم السبعة والجبال والبحار والجزر والأنهار والبحيرات والبلدان المختلفة والمدن وسكانها وآثار المنازل والمحال (٢٤) ؛ وهكذا نجد هنا أيضا توافقا ملحوظا