«إذا طلعت الجوزاء توقدت المعزاء وكنست الظباء وعرفت العلباء وطاب الخباء».
وترتبط الأنواء بالظواهر الجوية ارتباطا وثيقا بحيث أصبحت الأخيرة تسمى أحيانا باسمها ، فلفظ «نوء» كثيرا ما يعنى المطر ، وفى الاستعمال المعاصر اتخذ معنى العاصفة (البحرية). وأحيانا نسبت الظاهرة إلى النجوم مباشرة فقيل إن نجما ما يسبب المطر ، وهى فكرة اضطر محمد إلى محاربتها بالتالى. ويحفظ لنا التراث العربى القديم مادة غزيرة عن الأنواء ليس فقط على شكل جدول يبين منازل القمر الثمانية والعشرين (١١) بل أيضا على هيئة تصورات عديدة مرتبطة بها ، سجعا كان ذاك أم شعرا. لذا فليس من الغريب فى شىء أن انكب كبار العلماء فيما بعد على تأليف «كتب الأنواء» ، وقد عد أحد المتخصصين فى الفلك عند العرب أكثر من عشرين منها (١٢) فى القرنين التاسع والعاشر وحدهما ، ويرجع أحدها إلى واحد من أوائل الجغرافيين العرب وهو ابن خرداذبه كما ندين بآخر إلى المؤرخ المعروف الدينورى. ونظام المنازل القمرية من أقدم تراث البشرية وهو معروف فى أقدم الروايات الصينية والهندية والعربية (١٣). وليس ثمت ما يدعو على الإطلاق إلى القول بأن مذهب العرب فى المنازل مستعار برمته من غيرهم. هذا وقد وجد طريقة إلى أوروبا فى العصور الوسطى مصور يبين منازل القمر العربيةLUnar Arabic) (Zodiac ، كما بينت المنازل الثمانية والعشرين بحذافيرها على بعض الاسطرلابات (١٤).
وبالطبع لم تقف معرفة البدو عند القمر وحده بل عرفوا جيدا الكواكب التى احتلت المكانة الأولى بينها الزّهرة (Venus) وعطارد Mercury))(١٥) ، أما فيما يتعلق بالنجوم فقد عرفوا منها ما لا يقل عن مائتين وخمسين نجما فى تسميتها العربية الخالصة (١) ، جمعها بعناية فائقة فى القرن العاشر الفلكى عبد الرحمن الصوفى (توفى عام ٣٧٦ ـ ٩٧٦) (١٦). وتخلو نجوم السمت (Azimuth Stars) لديهم من أى تأثير يونانى ، إذ أن التأثير اليونانى لم يعدل فى المصطلحات الفلكية العربية إلا ابتداء من القرن التاسع (١٧). وقد ارتبط بهذه التسميات أحيانا أساطير فريدة فى نوعها (١٨). وفى مقابل هدا فإن عرب الجاهلية لم يعرفوا على ما يبدو أسماء البروج ، بل إن لفظ «برج» (وجمعه أبراج وبروج) الذى استعمل بالتالى فى ذلك المعنى كان يعنى لديهم مجرد «النجوم».
فإذا ما تحولنا من السماء إلى الأرض فسيتضح لنا أن التصورات الجغرافية لدى عرب الجاهلية كانت نزرة ولم تتعد حدود جزيرتهم ، وذلك وفقا لمفهوم الكتاب المتأخرين ، أى إلى الفرات وجبال طوروس شمالا. ومن نافلة القول أن نوكد غنى اللغة العربية القديمة فى كل ما يتعلق بالتربة وأخص مميزاتها الباطنية ، وبالعالمين النباتى والحيوانى أيضا. فإذا ما تركنا هذا جانبا فإن المجال الوحيد الذى خلف فيه العرب مادة
__________________
(*) آخر ما ظهر فى هذا الموضوع بحثا :
١ ـ Arabische Sternkunde in Europa, ٩٥٩١
٢ ـ Untersuchungen zur Sternkunde der Araber, ٠٦٩١.
(المترجم)