ففيما يتعلق بالسماء كثيرا ما تتكرر النظرية القديمة عن السموات السبع (٣٠) المعروفة منذ عهد البابليين والتى عاشت إلى أيامنا هذه فى تعبيرات لا شعورية مثل «كأنما فى السماء السابع» (٣١) ، بل وحتى فى استعمال صيغة الجمع «السموات» إلى جانب المفرد «السماء». والقول بسموات سبع يرد مرارا فى القرآن (٢ ٢٧ ، ١٧ ٤٦ ، ٢٣ ٨٨ ، ٤١ ١١ ، ٦٥ ١٢ ، ٧ ٣٦) ، ويشار إلى أنها قد شيدت فوق بعضها البعض طبقة طبقة («طباقا» ٧١ ١٤) وبشكل متين («شدادا» ٧٨ ١٢). وهى على شكل طرق («طرائق» ٢٣ ١٧) تسلكها الشمس والقمر كل يسبح فى فلكه (٢١ ٣٤ ، ٣٦ ٤٠) ؛ وقد أمكن الاستدلال على أن لفظ «فلك» نفسه بابلى الأصل على ما يظهر (٣٢). وهذه السموات السبع تقف دون عمد (١٣ ٢ ، ٣١ ٩) ، معتمدة على القدرة الإلهية فحسب (٢٢ ٦٤) ، غير أن صورتها مادية بشكل واضح ، ففى أكثر من موضع يرد الكلام ، ولو مجازا ، بإمكان سقوط قطع منها («كسف» ١٧ ٩٤ ، ٢٦ ١٨٧ ، ٣٤ ٩ ، ٥٢ ٤٤) وأنها قد شيدت بناءا أو سقفا ، («بناء» ٢ ٢٠).
وتتوكد فى القرآن بشكل خاص أهمية النجوم كهاد فى ظلمات الليل (٦ ٩٧ ، ١٦ ١٦) ولكن من بين النجوم نفسها لم يرد ذكر لنجم خلاف «الشعرى» (Sirius (٣٣) ٥٣ ٥٠). وكما هو الحال مع الشعر الجاهلى فإن البروج الاثنى عشر (The Signs of the Zodiac) المعروفة منذ أيام البابليين لم يرد لها ذكر فى القرآن ، ولفظ «البروج» نفسه (٣٤) الذى بدئ فى استعماله مأخوذا من القرآن ورد فى صيغة الجمع فقط وفى معناه الأوّلى المعروف (٤ ٨٠) ، كما أطلق أيضا على النجوم عامة (١٥ ١٦ ، ٢٥ ٦٢ ، ٨٥ ١). ونتيجة لسوء فهم ما وجد البحاثة فى القرآن ذكرا للمجموعة الشمسية المعروفة «بالميزان» (٥٥ ٦) (٣٥). وقد ألهبت النجوم المتهاوية مشاعر العرب بشدة ، وكما هو الحال مع عدد من الشعوب فقد اعتبرت أسلحة لحماية السماء من قوى الشر (٣٧ ٧ ، ٦٧ ٥ ، ٧٢ ٨) (٣٦). أما المهمة الأساسية للشمس والقمر فقد كانت فى تحديد الوقت سواء اليومى أو السنوى (٦ ٩٦ ، ٩ ٥ ، ٣٩ ٧ ، ٥٥ ٤) ؛ كما لوحظ الاختلاف أثناء الشتاء والصيف بين مواضع شروق الشمس ومواضع غروبها ، هذا إذا أخذنا بتفسير الآيات الغامضة عن المشرقين والمغربين (٣٧ ٥ ، ٥٥ ١٦ ـ ١٧) (٣٧). وقد ورد ذكر القمر مرتين (١٠ ٥ ، ٣٦ ٣٩) أما تقسيم السنة إلى اثنى عشر شهرا فقد اعتبر أمرا بدهيا معروفا من الجميع (٩ ٣٦). ويلوح أن الاختلاف بين السنتين القمرية والشمسية كان معروفا ، الأمر الذى يشير إليه معنى «الشهر الكبيس» (أى المزدوج) فى لفظ «النسىء» (٣٨) ، وهو لفظ لم يتضح معناه تماما إلى الآن.
وإذا كانت نظرية السماوات تلعب الدور الرئيسى فى التصورات القرآنية عن السماء ، فإنه قد وجدت فيما يتعلق بالأرض نظريات ارتبط بها الأدب الجغرافى على ممر تاريخه. وإحدى هذه الأفكار الرئيسية هى أن الأرض مسطح ثابت (٢٧ ٦٢ ، ٧٨ ٢٦ ـ ٧) ، وهى فكرة سادت من قبل عند اليهود كما عرفها أيضا اليونان فى عهد هوميرHomer وهزيودHesiod والفلاسفة الأيونيين (٣٩). وقد عبر القرآن