مع القرآن ؛ ومن وقت لآخر يتسلل ذكر الصين رمزا لأبعد قطر فى العالم وذلك فى الحديث المشهور الذى يهيب بطلب العلم حتى فى تلك البلاد النائية ؛ أو ذكر الهند وذلك فى حديث يتنبأ بحملة عسكرية على تلك البلاد (٨٥).
أما النمط الذى ازدهر فعلا وانتعش فهو ما يسمى بالجغرافيا الأسطورية. وإذا لم يكن قد ورد فى القرآن. مثلا أى ذكر لجبل قاف الذى يحيط بالأرض ، على الرغم من أن بعض رجال التفسير قد حاول أن يبصر إشارة إليه فى الحرف الغامض ق فى أول السورة الخمسين من القرآن ، إلا أن الحديث مفعم بوصف الجبل بل وبوصف المواضع دونه التى لا يمكن عبورها والتى تحيط بالأرض على طريق طوله أربعة أشهر (٨٦) ، وأيضا للبلاد الواقعة خلفه (٨٧). ولا يخلو من مغزى بالنسبة لعلم الجغرافيا أن هذه الأحاديث لم تمنع بالتالى محاولات تحديد مكان هذا الجبل فى القوقاز. أما سد ياجوج (٨٨) فقد أمكن لمحمد بفضل ما تمتع به من نفاذ البصيرة (Clairvoyance) التى تعبر المسافات الشاسعة أن يبصر ما طرأ عليه من تصدع (٨٩). وقد كان الحديث الذى حفظ هذه الرواية موضع جدل شديد بين عدد من المستشرقين الأوروبيين وذلك فيما يتعلق بوصف طريقة العد على الأصابع (Dactylonomy) الواردة فيه (٩٠). وإذا كان القرآن قد اكتفى بذكر الأرضين السبع (٩١) دونما أى تفصيل فإن الحديث ينسب إلى محمد تعدادا مفصلا لها يعكس صدى التصورات اليهودية والإيرانية. وإليك ما يرويه ابن الفقيه فى القرن التاسع فى هذا الصدد.
«وسئل النبى صلعم عن الأرض سبع هى قال نعم والسموات سبع وقرأ الله الذى خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن فقال رجل فنحن على وجه الأرض الأولى قال نعم وفى الثانية خلق يطيعون ولا يعصون وفى الثالثة خلق وفى الرابعة صخرة ملساء والخامسة ضحضاح من الماء والسادسة سجّيل وعليها عرش إبليس والسابعة ثور والأرضون على قرن ثور والثور على سمكة والسمكة على الماء والماء على الهواء والهواء على الثرى والثرى منقطع فيه علم العلماء» (٩٢).
ويلوح أن دور المؤثرات اليهودية فى ظهور الأحاديث من هذا الصنف كان كبيرا للغاية. وإذا ما تقصينا الشخصيات المرتبط بها انتشار هذه الأحاديث لوجدنا فى المكانة الأولى ابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه ، أى على العموم رواة الأحاديث الأوّل المسئولين إلى حد كبير عن تسرب العناصر اليهودية إلى الحديث (٩٣). وفى هذه الأحاديث تقابلنا الإجابة على مختلف المسائل المتعلقة بنشأة الكون وشكله ، كالكلام على حجم الأرض وعن البحر المحيط (٩٤) ومنبع الأنهار من الفردوس (٩٥) وأعماق البحار والبحيرات وسلاسل الجبال (٩٦). وطابع هذه الإجابات يمكن أخذ فكرة عنه من تحديد ابن عباس لطول الأرض وعرضها فى أربعة آلاف فرسخ وسطحها فى ست عشرة مليون فرسخا مربعا (٩٧) ؛ ويروى عن على أنه قال إن امتداد الأرض خمسمائة سنة المعمور منها مائة سنة فقط (٩٨). ويمكن أن نضيف إلى هذا