به من إيراد الفضائل والمثالب المتعلقة بالقبائل المختلفة. ويقرب بين النمطين أيضا الصيغة الموجزة المسجوعة كما يتضح من القطعة التى تبقت عن النسابة ابن لسان الحمّر والتى ترجع إلى العصر الذى نحن بصدده (١٢٦). هذا وقد ظهرت هذه الفضائل الدنيوية مبكرا ؛ فقد حفظ لنا المسعودى أنموذجا منها يقترن باسم الخليفة عمر. وهو يبدأ بالطريقة الآتية :
«ذكر ذوو الرواية أن عمر بن الخطاب حين فتح الله البلاد على المسلمين من العراق والشام ومصر وغير ذلك من الأرض كتب إلى بعض حكماء ذلك العصر إنا أناس عرب وقد فتح الله علينا البلاد ونريد أن نتبوأ الأرض ونسكن الأمصار فصف لى (١٢٧) المدن وأهويتها ومساكنها وما يؤثره الترب والأهوية فى سكانها» (١٢٨).
وقد رد عليه «الحكيم» بوصف الشام ومصر والحجاز والعراق والجبال وخراسان وفارس والجزيرة ، وتوقف عن وصف الهند والصين وأرض الروم «فلا حاجة فى وصفها لك لأنها شاسعة نائية وبلدان كفرة طاغية». ومن المؤسف أن تجد طريقها إلى هذه الوثيقة الطريفة زيادات متأخرة ، بل إنها لم تسلم أحيانا من داء الترادف والازدواج كما يتضح من وصف العراق. أما وصف مصر فيمكن أن يصلح كأنموذج فى هذا الصدد (١٢٩)
إن اعتبار هذا الوصف «للحكيم» المجهول كذبا صراحا فيه شىء من التعسف ، خاصة وأن اهتمام عمر بالمسائل الجغرافية شهدت به الرواية التاريخية غير ذى مرة ؛ وقد كلف عمر سعد بن أبى وقاص بعد واقعة القادسية (حوالى عام ٦٣٦) أن يصف له المواضع المجاورة لها ؛ وقد حفظ لنا هذا الوصف ياقوت (١٣٠). وثمة وصف مشابه لهذا يبعث به عمرو بن العاص إلى عمر عقب فتحه لمصر ؛ غير أن وصف مصر هذا لم يكشف عنه إلا عند المؤرخين المتأخرين من عصر المماليك (١٣١).
ولقد استمرت الأوصاف من طراز «الفضائل» محتفظة بمكانتها لحين ظهور الرسائل الجغرافية بالمعنى الصحيح. وأحد هذه الأوصاف مما يرجع إلى بداية القرن الثامن حفظه لنا المؤرخ الدينورى وهو يتعلق بالسويعات الأخيرة من حياة أيوب بن زيد إحدى الشخصيات التى اكتنفتها الأسطورة فى ذلك العهد ؛ وقد اشتهر باسم ابن القرّية نسبة إلى جدته ؛ وكان بدويا أميا. ووقتا ما تمتع ابن القرية بثقة الحجاج ولكن لم يلبث أن انحاز إلى أعدائه ، ثم وقع فى قبضة الحجاج حوالى عام ٧٠٣ (١٣٢). وقبل أن يأمر الحجاج بقتله بالقسوة المعهودة فيه ، سأله :
«فما تبقى من نعتك قال ابن القرّية ذهنى حديد وجوابى عتيد قال كيف علمك بالأرض قال ليسألنى الأمير عما أحبّ قال أخبرنى عن الهند قال بحرها درّ وجبلها ياقوت وشجرها عطر قال أخبرنى عن مكران قال ماؤها وشل وتمرها دقل وسهلها جبل ولصها ابطل إن كثر الجيش بها جاعوا وإن قلّوا ضاعوا قال فخراسان قال ماؤها جامد وعدوّها جاهد بأسهم شديد وشرهم عتيد وخيرهم بعيد قال فاليمن قال