(٦٥ ه ـ ٨٦ ه ـ ٦٨٥ ـ ٧٠٥) عاد إلى مصر أحد أهليها ممن كان فى أسر البيزنطيين منذ عهد معاوية (٤١ ه ـ ٦٠ ه ـ ٦٦١ (١) ـ ٦٨٠) ، وأنه روى تفاصيل عجيبة عن حال الأسرى المسلمين هناك ؛ غير أن الحكم على صحة هذه الوقائع يحتاج إلى فحص وتدقيق عميقين للتواريخ ولتفاصيل أخرى (١٤٧). ويروى لنا المقدسى (١٤٨) حكاية لشخص كان قد بعث به مع رفيق له إلى «طاغية» (Tyrant) بيزنطة عام ١٠٢ ه ـ ٧٢٠ ، ومما يؤسف له أن قصتهما أيضا تقتصر على وصف الرقيم وأهل الكهف. ولدينا من نفس الحقبة تقريبا رواية طريفة عن أول محاولة فى الجغرافيا الإدارية والاقتصادية (١٤٩) ؛ ففى عام ١٠٠ ه ـ ٧١٩ بعث الخليفة الأموى عمر بن عبد العزيز إلى والى الأندلس السمح بن مالك الخولانى بأن «يخمّس ما غلب عليه من أرضها وعقارها ويكتب إليه بصفة الأندلس وأنهارها». وكان السمح اداريا ماهرا ، وهو أول من جعل قرطبة عاصمة للبلاد واستمرت هكذا إلى القرن الحادى عشر (١٥٠) ؛ وقد عنى بتنظيمها وتجميلها وأعاد ترميم القنطرة الرومانية التى اعتبرت فيما بعد من عجائب الأندلس. وقد استشهد السمح بعد عامين من ذلك فى غارة للعرب على جنوب فرنسا عند فتح أربونةNarbonne (١٥١). ومن العسير بالطبع أن نحدد نصيبه من التوفيق فى تنفيذ رغبة الخليفة بوصف الأندلس وفى أى صورة تم ذلك ، إذ لم يصل إلى أيدينا فى الواقع أى أثر فى هذا الصدد. وأغلب الظن أن قستنفلد (١٥٢) لم يتنكب الصواب حينما وضع اسمه فى أول قائمته الزمنية (chronological list) للجغرافيين العرب. وعلى العكس من هذا يقف رسكاRuska موقف التشكك من القصة ومن استطاعة الوالى أن يشغل نفسه بالمسائل الجغرافية ولمّا يمض على فتح العرب للأندلس أكثر من عشرة أعوام (١٥٣). غير أنه توجد عوامل ليست فى مصلحة التشكك هذا ، ففى الواقع أن اهتمام السمح بن مالك بالأبحاث الجغرافية قد تردد صداه لا فى المصادر العربية وحدها بل وفى المصادر الغربية أيضا. فالحوليات اللاتينية (Latin Annals) ، خاصة حوليات ايزيدور الباجى Isidorus Pacensis ، توكد لسبب ما اهتمامه بمسائل من هذا النوع ، كما توكد أيضا اهتمامه بالاستطلاع والمراقبة فى أرض الأندلس (١٥٤). ومن العسير بالطبع اعتبار هذا من محض الصدفة.
هذه خلاصة ما يتصل بالجغرافيا لدى العرب وما تردد صداه فى آثارهم الأدبية إلى منتصف القرن الثامن. وهو مجهود إذا قيس وفقا للمفهوم الجغرافى الدقيق لبدا ضئيلا ؛ ولكنه من الناحية الأدبية يمثل أهمية كبرى. فمن خلال هذه الحقبة نبصر بوضوح ميلاد بعض الأنماط والصور التى بدأت تتشكل فيها بالتالى مصنفات جغرافية قائمة بذاتها ، وضعها فى أغلب الأحوال علماء لغويون. وهم قد جهدوا قبل كل شىء فى جمع وتنظيم تصورات عرب الجاهلية عن الأنواء وتدوين المادة الضخمة المتعلقة بالأماكن ؛ وهم المسئولون أيضا عن إدخال نمط «الفضائل» فى المؤلفات الجغرافية والتاريخية. وإلى هذا العصر
__________________
(*) فى الكتاب وجد سهوا عام ٦٣١ ه بدلا من ٦٦١ ه ، فوجب التنبيه. (المترجم)