عند العرب ، وكان هو وما شاء الله الذى مر ذكره أول من وضعا الأسطرلاب (٢٣) بين العرب. وربما أفاد فى هذا من الرسالة السريانية لساويرس سبوكت التى ترجع إلى منتصف القرن السابع ، غير أنه من الصعب إصدار حكم فى هذا الصدد لأن آثار الفزارى لم تصل إلينا كما وأن آثار ما شاء الله فى نفس الموضوع معروفة لنا فى ترجمتها اللاتينية الوسيطة فقط. ويلاحظ أن الفزارى قد نظم قصيدة فى النجوم مفتتحا بهذا سلسلة الشعر التعليمى الذى ازدهر بشدة فى العصور التالية.
وأقل من ذلك بكثير معرفتنا بمصنفات الداعية الثانى للمذهب الهندى وهو يعقوب بن طارق (٢٤) معاصر الفزارى. واعتمادا على بعض الوقائع يمكن أن نفترض أن المعين الذى استقى منه مادته كان أوسع ولم يقتصر على رسالة براهما غوبتا وحدها بل شمل عددا من الآثار الأخرى. ولكن مصنفاته هو أيضا مع الأسف الشديد لا يمكن الحكم عليها إلا من عناوينها ، ويبرز من بينها كتاب «تركيب الفلك» الذى يزعم أنه قد جمع بين دفتيه المعلومات التى استقاها من العلماء الهنود أعضاء السفارة الثانية إلى بلاط العباسيين فى عام ١٦١ ه ـ ٧٧٧ ـ ٧٧٨ (٢٥) ، أى بعد خلافة المنصور. أما قيمة مؤلفاته فيدل عليها ما لقيته من تقدير علماء مثل البيرونى (٢٦) ، أو ابراهيم بن عزرا الذى عاش بعد ذلك بوقت طويل فى الأندلس النائية وفى إيطاليا.
هذا وقد ثبتت قواعد نظام «السند هند» فى الفلك العربى على أساس عدد من الرسائل الهندية فى عهد المنصور وبقى سائدا سيادة مطلقة حوالى الخمسين عاما إلى عصر المأمون حين بدأ يزحمه المذهب اليونانى (٢٧) ؛ غير أنه لا يمكن القول بأية حال أنه قد اختفى مرة واحدة بأجمعه ، فأكبر رياضى عصر المأمون قاطبة وهو الخوارزمى الذى سيرد ذكره مرارا قد وضع جداوله الفلكية «السند هند الصغير» اعتمادا على النظام الهندى (٢٨). وقد استمر متداولا على أية حال إلى آخر القرن الحادى عشر وأفاد منه بحاثة كبار مثل البيرونى (٢٩) الذى كان إلى جانب الترجمات العربية يعرفه معرفة جيدة فى مصادره الأصلية (٣٠). أما فى أراضى الخلافة الغربية فقد استمر الاهتمام به زمنا أطول ، كما يظهر ذلك من مثال ابراهيم بن عزرا (٣١) وغيره. وإحدى القواعد الجوهرية لهذا المذهب ظلت إلى حد ما مرتبطة بالمصنفات الجغرافية العربية على الدوام وامتد تأثيرها فى بعض المجالات على العلم الأوربى إلى أيام كولومبس ، أعنى بذلك مسألة حساب خط الزوال أى خط منتصف النهار (meridional) من الشرق ، وأيضا نقطة ابتداء ذلك الحساب. ذلك أنه قبل مجىء النظام اليونانى كانت الأطوال عند العرب تقاس ابتداء من خط منتصف النهار عند الأرين Arine أو «قبة الأرض» الموجودة فى مكان ما من الشرق. وفى القرن العشرين فقط أصبح من الممكن إلى حد ما استكناه جوهر هذه النظريات ونفض غبار الغموض الذى تراكم على ممر قرون طويلة ؛ وكانت أول محاولة فى هذا الصدد للمستشرق الفرنسى رينوReinaud (٣٢).
ووفقا لنظرية العلماء الهنود فإن خطوط الطول يبدأ تعدادها من خط منتصف النهار الذى يمر بوسط المعمورة حيث توجد جزيرة لانكاLanka التى عرفها العرب باسم سرنديب وتعرف حاليا باسم