منهما قد أخذ فى شكله العربى اسم «المجسطى» Almadjisti (أحيانا بكسر الميم «المجسطى» Almidjisti) وفيما بعد دخل أوربا الوسيطة فى صورة المجسطAlmagest (٨٣) وهذه التسمية تعطينا بلا شك صيغة التفضيل (Superlative) فى اللغة اليونانية (أى «الأعظم»). وقد أطلقت على المصنف علامة على الاحترام والتقدير الذى فاز به ، وهكذا فهم العرب الأمر (٨٤). ولعل التسمية ترتفع إلى المترجمين العرب إذ لم تقابل إلى الآن فى المصادر اليونانية ؛ وقد أطرح الآن الرأى القائل بأن التسمية مركبة من اللفظين على طريقة النحت (٨٥).
ومنذ عام ١٩٢٨ لاحظ أحد البحاثة بالكثير من الاكتئاب أنه «لا يوجد شىء أكثر خلطا ولا اضطرابا من مسألة الترجمات العربية لكتاب المجسطى لبطلميوس» (٨٦) ويرجع هذا الاضطراب إلى أن معظم هذه الترجمات كما هى العادة لم تصل إلينا بل عرفت فقط من بعض الإشارات والشذرات المأخوذة عنها ، فضلا عن أن الترجمات المصلحة المختلفة التى نما عددها على مر الزمن قد طغت فى بعض الأحايين على الأصل تماما وقضت على إمكانية الحكم عليه. ويصدق هذا القول على الترجمة الأولى المعروفة باسم «النقل القديم» وهى التى عملت ليحيى بن برمك (٨٧) (توفى عام ١٩٠ ه ـ ٨٠٥) ، أى قبل عام ١٨٧ ه ـ ٨٠٣ دون شك ، وهو عام نكبة البرامكة. وهناك أساس للقول بأن هذه الترجمة تمت عن السريانية (٨٨) ، وهى كانت ما تزال فى أيدى الفلكيين الأوائل مثل البتانى والصوفى (٨٩) غير أنها بإجماع الآراء لم تكن ذات قيمة كبرى. وتفوقها الترجمة التى عملت فى عصر المأمون والتى قام بها الحجاج بن يوسف (١) حوالى عام ٢١٢ ه ـ ٨٢٧ ـ ٨٢٨ ، وحفظت لنا فى بضعة مخطوطات لا تمثل الأصل دائما (٩٠) ، ويبدو أنها هى أيضا قد نقلت عن السريانية (٩١). ولم يقف الجهد عند هذا فقد شارك فى ترجمة المجسطى عالم يمكن اعتباره أكبر مترجمى القرن التاسع قاطبة وهو حنين بن إسحق (حوالى عام ١٩٤ ه ـ ٨١٠ ـ ٢٦٠ ه ـ ٨٧٣) (٩٢) ، وقد صلح ترجمته بالتالى الفلكى الشهير ثابت بن قرة الصابى الحرّانى (٢١٩ ه ـ ٨٣٤ ـ ٢٨٨ ه ـ ٩٠١) الذى سنلتقى به عند الكلام على مصنفات بطلميوس فى الجغرافيا. والعلاقة بين ترجمتى حنين وثابت غير واضحة إذ أن ثابتا نفسه قد نسب إليه عدد من المؤلفات الشخصية حول المجسطى (٩٣). ومهما يكن من شىء فإن هذا الوضع يقف دليلا على ما بلغته حركة الترجمة من حيوية وانتظام ابتداء من عصر المأمون ، ويوكد الاهتمام العميق بكتاب المجسطى الذى ترك أثرا محمودا فى تقدم الفلك والرياضيات (٩٤) لا بين العرب وحدهم بل وفى أوروبا الوسيطة. ومن فضل القول أن نضيف أن الترجمات العربية لعبت أيضا دورها فى أوروبا الوسيطة ، فأولى ترجمات المجسطى العربية إلى اللاتينية قام بها جيرارد الكريمونى منذ عام ١١٧٥ (٩٥).
__________________
(*) هو الحجاج بن يوسف بن مطر الذى عاش فى عهد الرشيد والمأمون بين حوالى عام ١٧٠ ه ـ ٧٨٦ و ٢٢٠ ه ـ ٨٣٥ ، وهو مترجم أصول إقليدس فى الهندسة. (المترجم)