وكان بطلميوس على الأصح فلكيا ورياضيا أكثر منه جغرافيا (٩٦) ، ومن ثم فإن رسالته فى الجغرافيا تمثل فى جوهرها جداول فلكية لعروض وأطوال النقاط الرئيسية المسكونة فى العالم. ويعتبرها أحد كبار البحاثة المعاصرين «مقدمة لوضع مصور جغرافى» وليست «بجغرافيا» وذلك وفقا لمفهوم الجغرافيا الذى تطور فيما بعد. ووفقا لرأيه فإن هدف بطلميوس كان المعاونة فى رسم صورة الأرض لا وصفها (٩٧). ويرجع الفضل فى ظهور «جغرافيا» بطلميوس فى قالب عربى إلى المترجمين والفلكيين أيضا ولكن اهتم بها اهتماما جديا كذلك ممثلو الجغرافيا الوصفية. أما تاريخ الرسالة فى العالم العربى فنستطيع تتبعه بصورة أفضل بكثير عما هو الحال مع «المجسطى» وذلك بفضل الترجمة العربية المصلحة التى حفظت لنا والتى تم نشرها منذ زمن غير بعيد. ولكن حتى فيما يتعلق بهذا أيضا يجب تكرار القول بأنه لا يزال يوجد عدد من النقاط الغامضة ، على الرغم من بحث هو نغمان Honigmann الممتاز الذى ظهر عام ١٩٢٩ والذى بين فيه الخطوط الرئيسية لتاريخ هذه المسألة. وتذكر المصادر العربية ما لا يقل عن ثلاث ترجمات مختلفة لهذه الرسالة ، ترتبط جميعها بأسماء لامعة ؛ إحداها عملت للكندى (توفى حوالى عام ٢٦٠ ه ـ ٨٧٤) الفيلسوف المقرب من بلاط العباسيين ، أو ربما عملها بنفسه (٩٨) ، والزعم الأخير موضع للشك خاصة إذا ما علمنا أن الترجمة وصفت بأنها «رديئة». أما الترجمة الجيدة فهى من عمل ثابت بن قرة (توفى عام ٢٨٨ ه ـ ٩٠١) (٩٩) ، وثمة ترجمة ثالثة يشير إليها ابن خرداذبه (بين ٢٣٢ ه ـ ٨٤٦ و ٢٧٢ ه ـ ٨٨٥) وذلك فى ألفاظ توحى بأنها من عمله هو. فهو يقول «فوجدت بطلميوس قد أبان الحدود وأوضح الحجة فى صفتها بلغة أعجمية فنقلتها عن لغته باللغة الصحيحة» (١٠٠). وكما دلل نولدكه No؟ldeke (١٠١) فإن الاتجاه الأدبى لابن خرداذبه والمركز الذى كان يشغله فى الإدارة يقف ضد الزعم القائل بأنه كان يستطيع الترجمة عن اليونانية أو السريانية ، ولعل الأمر يتعلق بتنقيح أسلوب الترجمة «الرديئة» التى مر القول عليها والتى عملت من أجل الكندى. أما ثابت بن قرة فهو من صابئة حرّان بالجزيرة وينتمى إلى مدرسة حران العلمية التى حفظت لنا التراث اليونانى بعناية أدق مما فعلت بغداد. ومن العسير القول بأنه ترجم رسالة بطلميوس دون إحداث أى تغيير فيها ، بل المحتمل أنه قد أجرى تعديلات فى النص ليكون أكثر قبولا وفائدة للعرب المعاصرين له (١٠٢). وجميع هذه الترجمات لرسالة بطلميوس فى الجغرافيا ترد بعناوين مختلطة مضطربة ، الأمر الذى يزيد فى تعقيد المسألة (١٠٣). غير أنه لحسن الحظ وصلتنا ترجمة مصلحة معدلة لعلها من أقدم الترجمات وهى لأكبر رياضى وفلكى فى النصف الأول من القرن التاسع هو محمد بن موسى الخوارزمى ، ويمكن اعتبارها فى الوقت ذاته أول رسالة أصيلة فى الجغرافيا الرياضية عند العرب وشاملة لجميع العالم المعروف لهم ، وسيرد الكلام عليها فى حينه بالتفصيل.
ومما يزيد فى تعقيد مسألة الترجمات العربية لبطلميوس أن العرب باستثناء الأثرين اللذين مر ذكرهما ، قد عرفوا لبطلميوس مصنفات أخرى. وطريقة الاقتباس دون الإشارة إلى المصادر أدت إلى خلق صورة