الخوارزمى ، وقد لوحظ أنه رغما عن الطابع التنجيمى الغالب عليه فهو يعطى أحيانا تحديدات عن بطلميوس أدق من تلك التى يعطيها الخوارزمى (١١٩).
ويقصد ياقوت فى معجمه «بكتاب الملحمة» مصنفا معينا يرتفع إلى تراث علمى ذى مفهوم مستقل. ويجىء استعمال الكلمة عادة فى صيغة الجميع «كتاب (أو أبواب) الملاحم» ويقصد به فى الأدب العربى التعبير عن جميع ضروب التنبؤات التى ازدهرت فى العالم الإسلامى ، خاصة التنبؤات ذات الطابع الأخروى أى المتعلقة بالعالم الآخر والتى نشأت فى محيط لا علاقة له البتة ببطلميوس. وهذه التنبؤات ظهرت فى بادئ الأمر فى مجموعة الأحاديث الصحيحة وفى أدب الترغيب والترهيب ، وقد وجدت لها تربة صالحة فى الدوائر الشيعية ولم يكن من النادر نسبتها إلى أئمتهم (١٢٠). والذى دفعنا إلى هذا الاستطراد من الحديث على الجغرافيا الرياضية إلى الحديث عن أدب الملاحم التوافق فى التسمية وخوف الخلط مع «كتاب الملاحم» المنسوب لبطلميوس.
وقد أدى التاريخ المعقد للترجمات العربية لبطلميوس إلى ضرب من الازدواج فى الجغرافيا الرياضية العربية يرتبط باسمه ويقوم أساسا على سؤال مؤداه إلى أى مصدر بالذات ترتفع الرواية العلمية لهذه الترجمات ، هل إلى «المدخل إلى الجغرافيا» لبطلميوس أم إلى «الجداول المبسطة» لثاون؟ ومما يزيد فى غموض هذه الصورة ما علق بهذه المصادر من شوائب مختلفة. بيد أن كل ذلك لا يحول دون الاعتراف بالدور الرئيسى الذى لعبته مصنفات بطلميوس فى تطوير الأدب الجغرافى العربى ، وقد اقترنت باسمه على الأقل ثلاثة مصنفات أخرى جرى تداولها فى العالم العربى. فليس غريبا إذن إزاء هذا الاستيعاب الشامل للتراث اليونانى فى ميدان الجغرافيا أن يتقهقر إلى الصف الثانى التأثير الهندى والإيرانى الذى كان سائدا من قبل.
غير أن الأمر لم يقف عند حد الاستيعاب الأدبى ، سواء بالترجمة أو التعديل ، بل تعداه إلى ما وراء ذلك. وقد كان البتانى مصيبا فى قوله إن بطلميوس قد دعى إلى «المحنة والاعتبار بعده». ففى هذا العصر بالذات بدأ العرب فعلا يجمعون بين الاستيعاب النظرى للعلم اليونانى والتطبيق العملى لنظرياته فى أبحاثهم المستقلة ، الأمر الذى تجاوزت أهميته نطاق عصرهم بكثير. فقد وصلوا إلى حساب خط منتصف النهار وضبطوا العروض والأطوال الجغرافية ووضعوا جداولهم الفلكية المستقلة على أساس المراجعة النقدية لنتائج السابقين لهم فى هذا المضمار ، ورسموا خارطات لا تقل جودة عن النماذج اليونانية. ويخلو وصفهم لهذه الخارطات من ذلك العنصر الأسطورى الذى دفعنا من قبل إلى التشكك فى إمكان وجود خارطات إسلامية فى العهد السابق لهذا.
وقد أحس العرب فى أنفسهم النضج التام لإعادة تجربة اراتوسثينيس Eratosthenes فى تحديد مقاس درجة من خط منتصف النهار ، دفعهم إلى هذا جرأة معهودة لدى جميع ممثلى الحضارات