يرتبط باسمه إصلاح مقياس النيل. والأمر الذى لا يتطرق إليه الشك هو أن الفرغانى قد عاش فى النصف الأول من القرن التاسع وأن آخر ذكر له يرجع إلى عام ٢٤٧ ه ـ ٦٦١ (١٥٠). وفى رسالته هذه يعطى الفرغانى موجزا للمبادئ الأولية فى الفلك معتمدا على النظرية اليونانية فى الأساس ، دون أن يورد أية قواعد هندسية معقدة. ويهمنا فى هذا الصدد أنه أرفق برسالته هذه جدولا يبين الأماكن الهامة موزعة وفقا للأقاليم السبعة من الشرق إلى الغرب مع تحديد مواقعها الجغرافية ؛ وهذا الجدول كما أثبت البحث يمثل اقتباسا للفصول الخاصة بذلك فى «الزيج المأمونى» مما يسهل الحكم على الأخير إلى حد ما (١٥١). وبفضل الفرغانى أخذ الغرب فكرة مبكرة عن «الزيج المأمونى» فقد ترجمت رسالة الفرغانى مرتين إلى اللغة اللاتينية فى القرن الثانى عشر ، كما ترجمت فى القرن الثالث عشر إلى لغات أوروبية أخرى ، وقد تمتعت بانتشار واسع وكانت معروفة جيدا لدانتى (١٥٢) ، وتعتبر الترجمة اللاتينية التى طبعت بفراراFerrara عام ١٤٩٣ من أوائل ما عرفه فن الطباعة فى أوروبا (١٥٣). وفضلا عن ذلك فإن الفرغانى يعتبر أول فلكى عربى تعرف عليه العالم الأوروبى فى متنه الأصلى وذلك بفضل الطبعة الممتازة بالنسبة لعصرها والترجمة اللاتينية الجديدة للمستعرب والرياضى الهولندى يعقوب غوليوس Jacob Golius فى عام ١٦٦٩. هذا وقد استمر صيته حيا فى أوروبا كمنجم إلى القرن الثامن عشر.
وإلى جانب «الزيج المأمونى» والترجمات العديدة المعدلة لمصنفات بطلميوس يقدم لنا هذا العصر المبكر لازدهار العلوم العربية أثرا ممتازا من الآثار الجغرافية هو ما يسمى «الصورة (أى الخارطة) المأمونية» ؛ وبالطبع لم تحفظ لنا منها آثار أو بقايا مباشرة. غير أنه فى الوقت الذى أحاط بذكر خارطات العصر الأموى من حين لآخر أساطير وخرافات لا تستند على أساس من الواقع فإن معلوماتنا عن خارطة المأمون صحيحة بدرجة تسمح لنا بتكوين فكرة ما عنها ، وهى ترتبط كما هو متوقع بخارطات بطلميوس وبخارطات مارينوس الصورى التى لم تصل إلينا. وقد رأى كل هذا بعينى رأسه المسعودى فى القرن العاشر ووصفه فى مصنفه الأخير الذى يعرض فيه بعض الشىء لنشاط حياته العام ، فقال : «ورأيت هذه الأقاليم مصورة فى غير كتاب بأنواع الأصباغ وأحسن ما رأيت من ذلك فى كتاب جغرافيا لمارينوس وتفسير جغرافيا قطع الأرض (١٥٤) وفى الصورة المأمونية التى عملت للمأمون واجتمع على صنعتها عدة من حكماء أهل عصره صور فيها العالم بأفلاكه ونجومه وبره وبحره وعامره وغامره ومساكن الأمم والمدن وغير ذلك وهى أحسن مما تقدمها من جغرافيا بطلميوس وجغرافيا مارينوس وغيرهما» (١٥٥).
ومن العسير علينا بالطبع استكناه الطريقة الفنية التى اتبعت فى عمل الخارطة المأمونية ، ولكن هناك ما يحملنا على الافتراض بأنها تتلخص فى مصور جغرافى موضحة عليه «أسماء الأقطار والمدن المعروفة فى كل إقليم» طبقا للقسم المماثل من «زيج المأمون». وفيها تم نهائيا استبدال الأسماء الكلاسيكية بأسماء عربية ،