بعد ثلاثة أعوام فقط من ذلك يضع كتابه «الجامع فى الجغرافيا» Compendium Geographiae ويلخص فيه «جغرافيا» بطلميوس ؛ ثم طبع الأخير بأجمعه فى ترجمة لاتينية فى عام ١٤٧٨ (١٦٦). وفى تلك الآونة بالذات عملت له ترجمتان جديدتان من اليونانية إلى العربية (١٦٧) فى الدولة العثمانية فى عهد محمد الفاتح (١٤٥١ ـ ١٤٨١) نشرهما بالقاهرة (١٩٢٩) فى طبعة مصورة (facsimile) الأمير يوسف كمال (١٦٨) ، المعروف بنشره لعدد من الآثار الجغرافية. وفى بداية القرن السادس عشر عندما رسم الملاح التركى پيرى ريس خارطة العالم معتمدا على أربع عشرة خارطة كانت موجودة تحت تصرفه ، وجد من بينها ثمانى خارطات بطلميوسية (١٦٩) ؛ وهذا المثال يقدم صورة حية للأوضاع الثقافية فى تلك الحقبة التى بدأت فيها السيادة تتحول من الشرق إلى الغرب. وقد أتم الأتراك ما بدأته العرب فى مضمار الجغرافيا وعرضوا خلاصة ما قام به أسلافهم فى هذا الميدان. أما بطلميوس ومترجموه العرب فقد قدرهم الأتراك حق قدرهم ولكن الأمر الذى يلفت النظر حقا هو أن تصورهم للجغرافيا كعلم لم يختلف كثيرا عما كان عليه الوضع أيام المأمون. ولا يخلو من الفائدة والتوجيه فى هذا الصدد تلك الخلاصة التى يقدمها لنا فى القرن السادس عشر حاجى خليفة فى سفره الضخم فى أسماء المؤلفين والكتب «كشف الظنون» ، ذلكم المرجع القيم الذى سنرجع إليه أكثر من مرة فى المسائل المتعلقة بالأدب الجغرافى. ففى تعريفه لعلم الجغرافيا كتب حاجى خليفة يقول :
«علم جغرافيا. وهى كلمة يونانية بمعنى صورة الأرض ويقال جغراويا بالواو على الأصل وهو علم يتعرف منه أحوال الأقاليم السبعة الواقعة فى الربع المسكون من كرة الأرض وعروض البلدان الواقعة فيها وأطوالها وعدد مدنها وجبالها وبراريها وبحارها وأنهارها إلى غير ذلك من أحوال الربع كذا فى مفتاح السعادة (١٧٠). قال الشيخ داود (١٧١) فى تذكرته جغرافيا علم بأحوال الأرض من حيث تقسيمها إلى الأقاليم والجبال والأنهار وما يختلف حال السكان باختلافه انتهى. وهو الصواب لشموله على غير السبعة وجغرافيا علم لم ينقل له فى العربية لفظ مخصوص وأول من صنف فيه بطلميوس القلوذى فإنه صنف كتابه المعروف بجغرافيا أيضا بعد ما صنف المجسطى وذكر أن عدد المدن أربعة آلاف وخمسمائة وثلاثون مدينة فى عصره وسماها مدينة مدينة وأن عدد جبال الدنيا مائتا جبل ونيف وذكر مقدارها وما فيها من المعادن والجواهر وذكر البحار أيضا وما فيها من الجزائر والحيوانات وخواصها وذكر أقطار الأرض وما فيها من الخلائق على صورهم وأخلاقهم وما يأكلون وما يشربون وما فى كل سقع مما ليس فى الآخر غيره من الأرزاق والتحف والأمتعة فصار أصلا يرجع إليه من صنف بعده ولكن اندرس كثير مما ذكره وتغير أسماؤه وخبره فانسد باب الانتفاع منه. وقد عربوه فى عهد المأمون ولم يوجد الآن تعريبه» (١٧٢).
إن ألفاظ حاجى خليفة هذه لتدل على إدراكه العميق للأهمية الكبرى لآثار بطلميوس فى تاريخ الجغرافيا العربية طوال المدة ما بين القرنين الثامن والسابع عشر. ويمكننا أن نقرر بيقين تام أن التراث