وقد تغذت الدراسات الطبيعية فى الإسلام بغذاء وفير ومتنوع ، فأخذت عن الهند والفرس ما أخذت ، وتأثرت بآراء كثير من مفكرى اليونان ، أمثال ديمقريطس ، وأنباذوقليس ، وزينون الرواقى ، وأفلاطون. ولكنها عولت التعويل كله على أرسطو الذي ترجمت كتبه الطبيعية الهامة إلى العربية.
(ا) أرسطو الطبيعى :
لا شك فى أن أرسطو يعد بين مفكرى اليونان فيلسوف الطبيعة الأول ، عرض لجوانبها المختلفة ، عضوية كانت أو غير عضوية ، وعالج ظواهرها فى عالمى السماء والأرض.
فجدّ فى الكشف عنها ، وجمع ما أمكن من خصائصها ، معولا على الملاحظة والتجربة حينا ، وعلى البرهنة والاستدلال حينا آخر. وحاول أن يحدد ، فى اختصار ، قوانين التغير والحركة. فاستعاد ما كان للدراسات الطبيعية من ازدهار لدى الأيونيين وغيرهم من المدارس السابقة لسقراط ، وامتد هذا النشاط بعده جيلا أو جيلين على أيدى تلاميذه ، وأتباعه ، ثم فتر وتضاءل فى القرون الخمسة التالية ، ولم يستأنف إلا فى مدرسة الإسكندرية وعلى أيدى المشائين المحدثين. وقدر لآراء أرسطو الطبيعية أن تسود فى القرون الوسطى ، إن فى الفلسفة الإسلامية أو الفلسفة المسيحية ولدى مفكرى اليهود ، وبقيت تردّد إلى أن ظهرت الكشوف العلمية الحديثة فى القرن السادس عشر.
وقد وضع أرسطو فى الطبيعة عدة كتب ترجم معظمها إلى العربية ، وأدرك مفكر والإسلام ما بينها من صلة ، فلاحظوا أن منها ما ينصب على المبادي العامة ، وهو «كتاب السماع الطبيعى» ، وما ينصب على أمور خاصة ، «ككتاب السماء» ، «والكون والفساد» ، «والآثار العلوية» (١). ويعنينا أن نقف قليلا عند الكتب الثلاثة الأخيرة التي تتصل اتصالا وثيقا بكتب ابن سينا التي نقدم لها.
١ ـ فأما «كتاب السماء» ، أو «كتاب السماء والعالم» كما يسميه العرب ، فيقع فى أربع مقالات. وأغلب الظن أن هذه التسمية سابقة على الإسلام ، وأنها وليدة خلط بين كتاب أرسطو وكتاب DeMondo ليوزيدويتوس (١٣٥ ق. م.) ، أحد رؤساء المدرسة المشائية المتأخرين ، لا سيما وفى كتاب أرسطو درس مستفيض
__________________
(١) الفارابى ، إحصاء العلوم ، القاهرة ١٩٤٩ ، ص ٩٦ ـ ٩٧.