منحى أقرب إلى التركيز منه إلى البسط والتفصيل ، يعنى بالمبادئ أكثر مما يعنى بالجزئيات.
ويسلم بقدر منها مشروح فى مظانه ، ولا داعى لأن يعود إلى شرحه ، كملازمة الصورة للمادة ، ووحدة العالم ، ونهائيته ، وقدمه. وكأنما يخاطب مشائين يعرفون أصول المذهب الأرسطي ، فهم فى غنى عن أن نوضح لهم. يشير إلى الملاحظة وينوّه بالأرصاد ، ولكنه يعول خاصة على البرهنة العقلية. ويستعين كعادته بالقسمة المنطقية التي تقود إلى نتيجة ملزمة ، وتمكن من إفحام الخصوم. ومع هذا ، يلتزم الإنصاف فى جدله ، فإن رأى أن حجته واهية لم يتردد فى الاعتراف بذلك. فيقول مثلا لأنصار النار فيما أصر من مفاضلة بين النار والتراب : «لا القول الذي قالوه ، ولا الجواب الذي أجبنا به من جنس الكلام البرهانى (١)». وقد يقع فى شىء من الاستطراد ، ثم يتدارك ويعود إلى ما كان فيه (٢). ومؤلفه على كل حال أشد ضبطا وأحسن تنسيقا من «كتاب السماء».
والأجسام فى رأيه ضربان : بسيطة وهى ما كانت حركتها دائرية ، ومركبة وهى ما كانت حركتها غير دائرية (٣). ومنها خفيف يصعد إلى أعلى ، وثقيل ينزل إلى أسفل (٤) ، والحار خفيف عادة ؛ والبارد ثقيل (٥). والحركة الصاعدة تتجه نحو السماء ، والهابطة تنزل إلى الأرض (٦).
والسماء هى الجرم المحيط بالأرض ، وهى بسيطة ومتناهية ، وشكلها كروى (٧). تتحرك بطبيعتها حركة مستديرة ، والحركات الدائرية أكمل الحركات (٨). والسماء قديمة وإن تكن مبدعة ، فهى لا تقبل الكون ولا الفساد (٩). وفيها أفلاك وكواكب ، وكلها متحركة ، تتحرك من الشرق إلى الغرب ، أو بالعكس ؛ ويظهر أن ابن سينا لا يسلم بأن الكواكب الثابتة فى كرة واحدة (١٠). والكواكب مختلفة فى ألوانها وحركاتها ، منها مضىء بنفسه كالشمس ، ومنها ما يستمد ضوءه من غيره كالقمر (١١) ، ويذهب إلى أن هناك كواكب لا تستمد ضوءها من الشمس (١٢). ويستنكر ما ذهب إليه بعض نصارى بغداد من أن سواد القمر يرجع إلى جانبه الذي لا يقابل الشمس (١٣).
__________________
(١) ابن سينا ـ السماء والعالم ، القاهرة ١٩٦٨ : ص ٥٤.
(٢) المصدر السابق ، انظر مثلا ص ٤٩. (٣) المصدر السابق ، ص ٧ ، ١١.
(٤) المصدر السابق ، ص ٢٢. (٥) المصدر السابق ، ص ١٥. (٦) المصدر السابق ، ص ١٦. (٧) المصدر السابق ، ص ١٦. (٨) المصدر السابق ، ص ٣٧. (٩) المصدر السابق ، ص ٣٤.
(١٠) المصدر السابق ، ص ٤٦. (١١) المصدر السابق ، ص ٣٧. (١٢) المصدر السابق ، ص ٤٨.
(١٣) المصدر السابق ، ص ٤٤.