الموضوع غير محسوس فى الكون (١). والنمو تغير فى الحجم والمقدار ، فهو تغير مكانى دون نقلة مع بقاء طبيعة الجوهر ، والكون تغير فى الجوهر نفسه. ويحاول أيضا أن يفرق بين الامتزاج والاختلاط ، فعن الامتزاج ينشأ جسم متجانس ، كل واحد من أجزائه شبيه بالكل وبأي جزء آخر. أما الاختلاط فهو مجرد تجاور وتماس يبقى فيه كل من المختلطين قائما بذاته (٢). والكون امتزاج دائما ، ولا يحلو من فعل وانفعال ، فيتأثر المنفعل بالفاعل ، وينتج عن امتزاجهما صورة جديدة هى أشبه ما يكون بطبيعة وسطى بين الطبيعتين الأصليتين (٣) ، وفى كل جوهر كيفية انفعالية يستعد بها لقبول فعل ما (٤). ولا سبيل إلى كون بدون قوة فاعلة ، فالتسخين يستلزم حرارة تنصب على جوهر مستعد لقبولها (٥). والقوتان الفاعلتان هما الحار والبارد ، والقوتان المنفعلتان هما الرطب واليابس (٦). وتتكون الأحياء وتنمو بفعل هذه القوى ، وهى تتلخص فى العلل المادية ، والصورية ، والفاعلية. والغائية.
ولا يخضع الكون والفساد لعالم الأرض وحده ؛ بل هو خاضع أيضا لعالم السماء. فالفلك المحيط علة دوران الشمس الدائم حول الأرض ، وعلة تعاقب الليل والنهار ، وتعاقب الفصول ، وعلة الظواهر المتصلة بهذا التعاقب على وجه الأرض. يقول ابن سينا : «فالحركات المستديرة السماوية المقربة لقوى الأجرام العالية والمبعدة هى أسباب أولى إلى الكون والفساد ، وعوداتها ، لا محالة ، أسباب لعود أدوار الكون والفساد. والحركة الحافظة لنظام الأدوار والعودات ، الواصلة بينها ، والمسرعة بما لو ترك لأبطأ ولم يعدل تأثيره ، هى الحركة الأولى» (٧).
وفى هذا ما يفسر اطراد الظواهر الكونية وخضوعها لنظام ثابت ، وفيه ما قد يعين هلى شىء من التنبؤ بالمستقبل. وسبيله الرصد والحساب المبنى عليه اللذان يسمحان بتتبع سير الكواكب والأفلاك ، واستنتاج ما يترتب عليه. ولكن الرصد ليس من الدقة بحيث ينتهى إلى احكام يقينية ؛ هذا إلى انه لا ينصب على وقائع جزئية ، وإنما يدور حول قضايا كلية ، وهذه لا تحقق ما ينشده القائلون بأحكام النجوم (٨). فينكر ابن
__________________
(١) المصدر السابق ، ص ١٢٥ ـ ١٣٢.
(٢) المصدر السابق ، ص ١٤٠ ـ ١٤٤.
(٣) المصدر السابق ، ص ١٢٧. (٤) المصدر السابق ، ص ١٧٣.
(٥) المصدر السابق ، ص ١٧٩. (٦) المصدر السابق ، ص ١٧٨ ـ ١٧٩.
(٧) المصدر السابق ، ص ١٩٢.
(٨) المصدر السابق ، ص ١٩٨.