قوة وسهولة قبول لما بعدها مما هو أضعف منها ؛ فإن عرض لها فى بعض الأوقات ملال أو كلال فذلك لاستعانة العقل بالخيال المستعمل للآلة التي تكل فلا تخدم العقل ، ولو كان لغير هذا لكان يقع دائما وفى (١) أكثر الأمر والأمر بالضد.
وأيضا فإن أجزاء البدن كلها تأخذ فى الضعف من قواها بعد منتهى النشوء (٢) والوقوف ، وذلك دون الأربعين أو عند الأربعين. وهذه القوة المدركة للمعقولات إنما تقوى بعد ذلك فى أكثر الأمر ، (٣) ولو كانت من القوى البدنية لكان يجب دائما فى كل حال أن تضعف حينئذ. لكن ليس يجب (٤) ذلك إلا فى أحوال وموافاة عوائق دون جميع الأحوال ، فليست (٥) هى (٦) إذن من القوة البدنية.
ومن هذه الأشياء يتبين (٧) أن كل قوة تدرك بآلة فلا تدرك ذاتها ولا آلتها ولا إدراكها ، ويضعفها تضاعف الفعل ، ولا تدرك الضعيف (٨) إثر القوى ، والقوى يوهنها ويضعف فعلها عن (٩) ضعف آلات فعلها (١٠) ، والقوة العقلية بخلاف ذلك كله.
وأما الذي يتوهم من أن النفس إذا كانت تنسى معقولاتها ولا تفعل فعلها مع مرض البدن وعند الشيخوخة فذلك لها بسبب أن فعلها لا يتم إلا بالبدن ، فظن غير ضرورى ولا حق ، وذلك أنه قد يمكن أن يجتمع الأمران جميعا ، فتكون النفس لها فعل بذاتها إذا لم يعق عائق ولم يصرف عنه صارف ، (١١) وأنها أيضا قد تترك فعلها الخاص مع حال يعرض للبدن فلا تفعل حينئذ فعلها وتصرف (١٢) عنه ، ويستمر القولان من غير تناقض. وإن (١٣) كان كذلك لم يكن إلى هذا الاعتراض التفات. ولكنا نقول : ان جوهر النفس له فعلان : فعل له (١٤) بالقياس إلى البدن ، وهو السياسة ، وفعل له (١٥) بالقياس إلى ذاته وإلى مبادئه وهو الإدراك بالعقل ؛ وهما متعاندان متمانعان ، فإنه إذا اشتغل بأحدهما انصرف عن الآخر ، ويصعب
__________________
(١) وفى : أو فى ف.
(٢) النشوء : النشيء د.
(٣) أكثر : الأكثر م.
(٤) يجب : ساقطة من ك.
(٥) فليست : فليس د ، ك ، م
(٦) هى : ساقطة من ف ، م.
(٧) يتبين : تبين د ، ف ، ك.
(٨) الضعيف : الضعف م.
(٩) عن : عند ف
(١٠) آلات فعلها : الآلات ك ؛ الآلات فعلها م.
(١١) صار ف : ساقطة من م.
(١٢) وتصرف : وتنصرف ك.
(١٣) وإن : وإذا ف.
(١٤) له (الثانية) : ساقطة من م.
(١٥) له : ساقطة من م.