عليه الجمع بين الأمرين. وشواغله من جهة البدن (١) هى (٢) : الإحساس والتخيل والشهوات والغضب والخوف والغم والفرح والوجع. (٣)
وأنت تعلم هذا بأنك إذا أخذت تفكر فى معقول تعطل عليك كل شىء من هذه ، إلا أن تغلب هى النفس وتقسرها (٤) رادة إياها إلى جهتها. وأنت تعلم أن الحس يمنع النفس عن التعقل ، فإن النفس إذا أكبت على المحسوس شغلت عن المعقول من غير أن يكون أصاب آلة العقل أو ذاته (٥) آفة بوجه ؛ وتعلم أن السبب فى ذلك هو اشتغال النفس بفعل دون فعل ، فكذلك (٦) الحال والسبب إذا عرض أن تعطلت أفعال العقل عند المرض. ولو كانت الملكة العقلية المكتسبة قد بطلت وفسدت لأجل الآلة ، لكان رجوع الآلة إلى حالها يحوج إلى اكتساب من رأس. (٧) وليس الأمر كذلك ، فإنه قد تعود النفس إلى ملكتها وهيئتها عاقلة بجميع ما عقلته بحالها إذا عاد البدن إلى سلامته ، فقد كان إذن ما كسبته موجودا معها بنوع ما إلا أنها كانت مشغولة عنه. وليس اختلاف جهتى فعل النفس فقط يوجب فى أفعالها (٨) التمانع ، بل تكثّر أفعال جهة واحدة قد (٩) يوجب ذلك بعينه. فإن الخوف يغفل (١٠) عن الوجع والشهوة تسد (١١) عن الغضب ، والغضب يصرف عن الخوف ، والسبب فى جميع ذلك واحد وهو انصراف النفس بالكلية إلى أمر واحد.
فبين من هذا أنه لبس يجب إذا لم يفعل شىء فعله عند اشتغاله بشيء أن لا يكون فاعلا فعله إلا عند وجود ذلك الشىء المشتغل به. ولنا أن نتوسع فى بيان هذا الباب ، إلا أن الإمعان فى المطلوب بعد بلوغ الكفاية منسوب إلى التكلف لما لا يحتاج إليه. فقد ظهر من أصولنا التي قررنا أن النفس ليست منطبعة فى البدن ولا قائمة به ، فيجب أن يكون اختصاصها به (١٢) على سبيل مقتضى هيئة فيها جزئية جاذبة إلى الاشتغال بسياسة البدن الجزئى ، لعناية (١٣) ذاتية مختصة به ، صارت النفس عليها كما وجدت مع وجود بدنها الخاص بهيئته (١٤) ومزاجه.
__________________
(١) البدن : الأبدان م
(٢) هى : ساقطة من د ، ك ، م.
(٣) والوجع : والوجع ك.
(٤) وتقسرها : وتقرها د.
(٥) ذاته : ذاتها د ، ك.
(٦) فكذلك : فلذلك م.
(٧) رأس : الرأس ، ك ، م.
(٨) أفعالها : أفعاله د ، ك.
(٩) قد : فقد د (١٠) يغفل : يعقل م.
(١١) تسد : تصد د ، م ؛ ساقطة من ك.
(١٢) به (الثانية) : ساقطة من د.
(١٣) لعناية : بعناية ك. (١٤) بهيئته : بهيئاته ك.