الحرارة فى ضمنها ، وحبس (١) البخار المتصعد منها ، (٢) حتى يقوى اجتماعه ويعد (٣) بقوته منفذا يندفع منه إلى خارج ، وقد تكاثف واستحال مياها ، وصار عيونا. فيكاد أن (٤) يكون ما تستقر عليه الجبال مملوءا ماء ، ويكون مثل الجبل فى حقنه الأبخرة وإلجائه إياها إلى فجر العيون ، مثل الإنبيق الصلب من حديد أو زجاج أو غيره مما يعد (٥) للتقطير ، (٦) فإنه إن كان سخيفا متخذا من خشب متخلخل أو خزف (٧) متخلخل لم يحقن بخارا كثيرا ، ولم يقطر منه شىء يعتد به ، وإذا كان من جوهر صلب لم يدع شيئا من البخار يتفشى ويتحلل ، بل جمع كله ماء وقطّره. فالجبال (٨) كالأنبيق ، وقعر الأرض التي تحته كالقرع ، والعيون كالمثاعب ، والأذناب التي فى الأنابيق والأودية والبحار (٩) كالقوابل. فلذلك ما يرى من أن أكثر العيون إنما يتفجر من الجبال ونواحيها ، وأقلها فى البرارى ؛ وذلك الأقل لا يكون أيضا إلا حيث تكون أرض (١٠) صلبة ، أو فى جوار أرض صلبة. فاذا (١١) تتبعت الأودية المعروفة فى العالم ، وجدتها منبعثة (١٢) من (١٣) عيون جبلية ، وقد ذكر ذلك وشرح فى كتب عملت فى هذا الشأن. ونحن (١٤) نتحيل (١٥) بذلك عليها ، فلتقرأ من هناك ، فإنها خبرته. (١٦)
وكما أن أكثر العيون والأودية من الجبال ، فكذلك أكثر السحب تكون من الجبال ، وتجتمع فى الجبال من الأسباب ما لا تجتمع فى مواضع أخرى. من ذلك أنه يعرض للبخارات بها من الاحتقان والتقوّى ما يفجّر العيون ، فكيف حالها إذا تصعّدت وهى بعد أبخرة. فإنها لقوتها فى اندفاعها ولكثافة جرمها لا تتحلل بسرعة ، بل يكون لها أن تندفع إلى الحيز المبرّد والعاقد للبخار من أحياز طبقات الهواء.
ويعرض لهذا السبب عونان آخران :
أحدهما : أن فى باطن الجبال من النداوات ما لا يكون فى باطن الأرضين الرخوة.
والثاني : أن الجبال يبقى على ظاهرها من الثلوج والأنداء ما لا يبقى على ظاهر سائر الأرضين. وذلك أن الجبال بسبب ارتفاعها تكون أبرد من أديم القرار ، فقد علم أن
__________________
(١) وحبس : ويحبس سا
(٢) منها : ساقطة من م
(٣) ويعد : ونفذ ط
(٤) أن : ساقطة من م
(٥) يعد : يتخذ سا
(٦) للتقطير : + منه ط.
(٧) أو خزف : وخزف ط
(٨) فالجبال : والجبال م
(٩) والبحار : فى البحار ط
(١٠) أرض (الأولى) : الأرض ط ، بأرض م
(١١) فإذا : وإذا ط ، م. (١٢) منبعثة : منبعثة د
(١٣) من : عن ب ، ط ، م ؛ فى سا
(١٤) ونحن : فنحن ط
(١٥) نتحيل : فنحيل ب ، د ، سا ، ط
(١٦) خبرته : جزئية ما.