من ضد إلى ضد ، بل إنما ينتقل من واسطة اعتدال إلى حد غير بعيد. ولو كان هناك حر دائم وكانت الأبدان هنالك (١) قد نشأت على مزاجه ، لا تنفعل عنه كثيرا ، ولا يعرض (٢) لها خروج بعيد عما نشأت عليه ، لكانت لا تحس بأمر مغير ، فكيف وليس هناك إفراط البتة. وللأبدان ملاءمة لما نشأت عليه ، حتى (٣) لا تنفعل عنه كثيرا. تأمل ذلك فى حال أبدان الترك ، فإنهم لا ينفعلون من برد بلادهم انفعالا شديدا ، ولا الحبشة (٤) ينفعلون من حر بلادهم انفعالا شديدا. وربما كان البدوى بخراسان يشكو البرد ، فى وقت ما يكون الخراسانى يشكو الحر فى وقت واحد. وقد شاهدت هذا ببخارا من حال بدوى حضرها فى ماه أرديبهشت (٥) أو خرداد وقد تسلط بها أكثر الحر وهو يرتعد ويتزمل ويستغيث (٦) من البرد ، وأهل البلد يتأذون من الحر ؛ لأن مزاج (٧) العربى ألف (٨) مزاجا حارا ، وألف (٩) الآخر (١٠) مزاجا باردا ؛ (١١) فيكون ذلك المزاج باردا بالقياس إلى الأعرابى ، حارا بالقياس إلى البخارى بحسب مزاجه الذي له فى ظاهر بشرته.
وأما خط الاستواء ، فتكون الأحوال فيه متقاربة. فمن يكون منشأه فى ذلك المزاج لا يحس البتة بتغير ببلاده (١٢) محسوس ، ويتشابه عنده حال هواء بلده ، ويكون كأنه فى ربيع دائم ، اللهم إلا أن يتفق هناك من أسباب الحر غير ما هو منسوب إلى قرب الشمس وبعدها (١٣) من الأسباب التي نذكرها.
فهذا هو المذهب الصحيح الحق ، فهكذا يجب أن يتصور حال المعمورة ، من (١٤) جهة (١٥) (١٦) تأثير الشمس فيها. لكن البلاد أيضا قد يختلف حرها وبردها بسبب آخر ، وهو أن البلاد المشرفة ، أبرد من الغائرة والتي بينها وبين الجنوب جبال. وناحية الشمال واضحة برية من الجبال ، أبرد من التي الجبال فيها شمالية لسببين : (١٧) أحدهما أن (١٨) الشمس لا يستوى تسخين (١٩)
__________________
(١) هنالك : هناك سا ، ط (٢) ولا يعرض : فلا يعرض ب
(٣) حتى : ساقطة من ط (٤) الحبشة : الحبشية ط
(٥) ماه أرديبهشت : ماه أرديهقت ب ؛ أردبهشت د ؛ أروبهشت سا ، م
(٦) ويتزمل ويستغيث : ويستغيث ويزمل سا ؛ ويزمل ليستغيث م.
(٧) مزاج : المزاج د (٨) ألف : آلف د
(٩) وألف : وآلف د (١٠) الآخر : الآخرون ب ، ط
(١١) وألف ... باردا : ومزاج الأخر ألف مزاجا باردا م (١١) فى : ساقطة من م
(١٢) ببلاده : بلاده ط (١٣) وبعدها : وبعده ط
(١٤) من : ومن سا (١٥) من جهة : ساقطة من د
(١٦) جهة : جهته ط
(١٧) لسببين : بسببين د
(١٨) أن : لأن سا ، ط ، م
(١٩) تسخين : تسخن ب.