وتعاونت فى ذلك مع زميلة كريمة هى الآنسة دالفرنى التي حاولت لجنة نشر كتاب الشفاء لا بن سينا فى القاهرة الاستعانة بها على إحياء ابن سينا اللاتينى ، فدعتها إليها منذ ربع قرن تقريبا ، وأقامت فى القاهرة زمنا واشتركت معنا فى مقارنة نص إلهيات ابن سينا اللاتينى بالنص العربى. وإذا كانت لم تستطع الإسهام مباشرة مع اللجنة فى إخراج «كتاب الشفاء» فإنها وقفت نفسها على تتبع مخطوطات ابن سينا اللاتينية فى مكتبات أوروبا الكبرى طوال عشرين عاما ، فكشفت عنها ، وعرفت الباحثين بها ، ووصفتها وصفا دقيقا ، وأصبحت حجة فى ابن سينا اللاتينى.
وإذا كانت لم تستطع أن تحقق هدفها فى نشر نصوصه فانها مهدت السبيل لناشرين آخرين ، وفى مقدمتهم الآنسة فانريت التي بدأت بنشر «كتاب النفس» وتعد منذ زمن لنشر كتاب الإلهيات ، وهما مرجعان هامان فى تاريخ السينوية اللاتينية. وتصرح فى مستهل تحقيقها أن الذي شجعها عليه أمران : أولهما الاستقصاء الشامل الذي قامت به الآنسة دالفرنى لمخطوطات ترجمة النفس اللاتينية ، وجملتها خمسون استطاعت أن تعرف بأربعين منها وأن تصفها وصفا كاشفا قبل أن تبدأ الآنسة فانريت تحقيقها. ثانيهما ظهور طبعتين محققتين للأصل العربى ، وهما طبعة باكوش وطبعة فضل الرحمن اللتان أشرنا إليهما من قبل.
* وقد سلكت فى نشرها منهجا يعد آية فى التحقيق العلمى السليم. فذهبت إلى أنه يلحظ فى ثنايا الترجمة اللاتينية الواحدة قراءتان مختلفتان ويمكن فى ضوئهما تقسيم المخطوطات اللاتينية إلى مجموعتين أ و ب. وأدت الدراسة المقارنة الدقيقة لجميع المخطوطات إلى القول بأن هناك مترجما قام لأول مرة بترجمة النص العربى ثم أعيد النظر فى النص المترجم ، وأدخلت عليه تعديلات وتنقيحات مع الاحتفاظ بمعظم النص الأساسى للترجمة الأولى ، وهذا النص مشترك فى المخطوطات جميعها. أما التعديلات والتنقيحات فتتغير من مخطوط إلى آخر. وهذه التعديلات والتغييرات هى ما سمته الأستاذة المحققة «القراءات المزدوجة (Lectures doubles).
ولأسباب ذكرتها بإسهاب ودقة ، اختارت سبع مخطوطات اعتمدت عليها فى تحقيقها ، واتخذت نسخة روما الأصل الأم مع مراعاة روايات المجموعة (ب) واكتفت بتسجيل المجموعة الأخرى فى الهامش ، مع الإشارة إلى ما يحفظ منها