الفصل الخامس (١)
فى اختلاف المذاهب فى الرؤية وإبطال
المذاهب الفاسدة بحسب الأمور أنفسها
فتقول : إن المذاهب المشهورة فى هذا الباب مذاهب ثلاثة ، وإن كان كل مذهب منها يتفرع : أحدها مذهب من يرى أن شعاعات خطية (٢) تخرج من البصر على هيئة مخروط (٣) يلى رأسه العين وقاعدته المبصر ، وأن أصحها إدراكا هو السهم منها ، وأن تبصّر الشىء هو نقل (٤) السهم فيه. ومنها مذهب من يرى أن الشعاع قد يخرج من البصر على هيئة ، إلا أنه لا يبلغ من (٥) كثرته أن يلاقى نصف كرة السماء إلا بانتشار يوجب (٦) انتشار الرؤية. لكنه إذا خرج واتصل بالهواء المضيء ، صار ذلك آلة له وأدرك بها. ومنها مذهب من يرى أنه كما أن سائر المحسوسات ليس يكون إدراكها بأن يرد عليها شىء من الحواس بارزا إليها متصلا بها أو مرسلا رسولا إليها ، كذلك الإبصار ليس يكون بأن يخرج شعاع البتة فيلقى المبصر ، بل بأن تنتهى صورة المبصر إلى البصر بتأدية الشفاف إياها. (٧)
وقد استدل الفريقان الأولان وقالا : إنما جاز (٨) فى سائر الحواس أن تأتيها المحسوسات ، (٩) لأنها يصح إدراكها بالملامسة كاللمس ، (١٠) وكالذوق ، وكالشم الذي
__________________
(١) الفصل الخامس : فصل ٥ ف.
(٢) خطية : خيطية م.
(٣) مخروط : مخروطة د ، ك.
(٤) نقل : فعل د.
(٥) لا يبلغ من : لا تبلغ ك ، م.
(٦) يوجب : فوجب م.
(٧) إياها : إياه د ، ك ، م.
(٨) جاز : صار د
(٩) أن تأتيها المحسوسات : ساقطة من م.
(١٠) كاللمس : كما للمس ف.