ظاهرا لا شك فيه أن كل جسم فاعل يجب أن يكون ملاقيا للملموس ، فإن هذا وإن كان موجودا بالاستقراء فى أكثر الأجسام فليس واجبا ضرورة أن يكون كل فعل وانفعال باللقاء والتماس ، بل يجوز أن تكون أفعال أشياء فى أشياء من غير ملاقاة. فكما (١) يجوز أن يفعل ما ليس بجسم فى الجسم من غير ملاقاة كالبارى والعقل والنفس ، فليس ببدع أن يكون جسم (٢) يفعل فى جسم بغير الملاقاة ، فتكون أجسام تفعل بالملاقاة وأجسام تفعل لا بالملاقاة. وليس يمكن أحد أن يقيم برهانا على استحالة هذا ولا على (٣) أنه لا يمكن أن يكون (٤) بين الجسمين نصبة ووضع يجوز أن يؤثر أحدهما فى الآخر من غير ملاقاة ، إنما يبقى هاهنا ضرب من التعجب كما لو كان انفق أن كانت الأجسام كلها إنما يفعل بعضها فى بعض بمثل تلك النصبة المباينة ، فكان إذا اتفق أن شوهد فاعل بفعل بالملاقاة تعجب منه كما يتعجب الآن من مؤثر بغير ملاقاة.
فإذا كان هذا غير مستحيل فى أول العقل وكان صحة مذهبنا (٥) المبرهن عليه يوجبه وكان لا برهان البتة ينقضه فنقول : إن من شأن الجسم المضيء بذاته والمستنير الملون (٦) أن يفعل فى الجسم ـ الذي يقابله إذا كان قابلا للشبح قبول البصر وبينهما جسم لا لون له ـ تأثيرا هو صورة مثل صورته من غير أن يفعل فى المتوسط شيئا ، إذ هو غير قابل لأنه شفاف. فإذا كان غير بين بنفسه ولا قام عليه برهان أن لا (٧) يكون جسم يفعل فى مقابل له بتوسط شفاف البتة ، وكان هذا مجوزا فى أول العقل ومتضحا بما برهنا عليه من كيفية الإدراك ، وكان ذلك غير محال ، فكذلك غير محال أيضا أن يكون بدل المتوسط الواحد متوسطان : المتوسط ومتوسط آخر ، وبدل النصبة والوضع نصبتان ووضعان : النصبة والوضع المذكوران ، (٨) مع وضع ونصبة أخرى. فيكون بدل هذا المتوسط الشفاف وحده متوسط ملون (٩) صقيل مع الشفاف ، وبدل نصبة المقابلة مع هذا المضيء والمستنير النصبة والمقابلة مع ذلك الصقيل الذي له النصبة والوضع
__________________
(١) فكما : كما ك.
(٢) جسم (الأولى) : ساقطة من د.
(٣) ولا على : وعلى م
(٤) يكون : ساقطة من م.
(٥) مذهبنا : مذهب م.
(٦) الملون : ساقطة ممن م.
(٧) أن لا : ألا د ؛ إلا أن ؛ أن م.
(٨) المذكوران : المذكورة د.
(٩) ملون : يكون م.