وليس أحد من الناس لا نصيب له من أمر الرؤيا ومن حال الإدراكات التي تكون فى اليقظة ، فإن الخواطر التي تقع دفعة فى النفس إنما يكون سببها اتصالات ما لا يشعر بها ولا بما يتصل بها لا قبلها ولا بعدها ، فتنتقل النفس منها إلى شىء آخر (١) غير ما كان عليه (٢) مجراها. وقد يكون ذلك من كل جنس ، فيكون من المعقولات. ويكون من الإنذارات ، ويكون شعرا ، ويكون غير ذلك بحسب الاستعدادات (٣) والعادة والخلق. وهذه الخواطر تكون لأسباب تعن للنفس مسارقة (٤) فى أكثر الأمر وتكون كالتلويحات المستلبة (٥) التي لا تتقرر فتذكر إلا أن تبادر إليها النفس بالضبط الفاضل ، ويكون أكثر ما تفعله أن تشغل (٦) التخيل بجنس غير مناسب لما كان فيه.
ومن شأن هذه القوة المتخيلة أن تكون دائمة الإكباب (٧) على خزانتى المصورة والذاكرة ، ودائمة العرض للصور (٨) مبتدئة من صورة محسوسة أو مذكورة ، منتقلة منها إلى ضد أو ند أو شىء هو منه بسبب ، وهذه طبيعتها. وأما اختصاص انتقالها من الشىء إلى ضده دون نده ، أو نده دون ضده ، فيكون لذلك أسباب جزئية لا تحصى. وبالجملة يجب أن يكون أصل السبب فى ذلك أن النفس إذا جمعت بين مراعاة المعانى والصور انتقلت من المعنى إلى الصورة التي هى أقرب إليها (٩) إما مطلقا وإما لاتفاق قرب عهد مشاهدته لتألفهما فى حس أو فى وهم ، وانتقلت كذلك (١٠) من الصورة إلى المعنى. ويكون السبب الأول الذي يخصص صورة دون صورة ومعنى دون معنى أمرا قد ورد عليه من الحس خصصه به ، أو من العقل ، أو الوهم فخصصه به ، أو لأمر سماوى. فلما تخصص بذلك صار استمراره وانتقاله متخصصا لتخصيص (١١) المبدأين (١٢) ، ولأجل أحوال تقارن (١٣) فى (١٤) العادة ولقرب (١٥) العهد ببعض الصور والمعانى. وقد يكون ذلك لأحوال أيضا سماوية ، وقد يكون لطوالع من العقل والحس بعد التخصيص الأول تضاف إليه.
__________________
(١) آخر : ساقطة من م.
(٢) عليه : عليها د ، ك.
(٣) الاستعدادات : الاستعداد ف.
(٤) مسارقة : مشارفة م.
(٥) المستلبة : المستنية د.
(٦) تشغل : تشتغل م.
(٧) الإكباب : الالباب م.
(٨) للصور : للصورة ك ، م.
(٩) إليها : اليه ف.
(١٠) كذلك : لذلك م.
(١١) لتخصيص : لتخصص ك ؛ بمخصص م ؛ ساقطة من د
(١٢) المبدأين : المتداين م
(١٣) تقارن : مقارن د ، ك
(١٤) فى : من د ، ك م
(١٥) ولقرب : لقرب د ؛ أو لقرب ك.