فيكون هذا ضربا من الرؤيا. إنما موضع العبارة منه (١) شىء طفيف وباقيه (٢) أضغاث أحلام ، فما كان من الرؤيا من الجنس الذي السلطان فيه للتخيل فإنه يحتاج إلى عبارة ضرورة.
وربما رأى الإنسان تعبير رؤياه فى رؤياه فيكون ذلك بالحقيقة تذكرا ، فإن القوة المفكرة كما أنها قد تنتقل (٣) أولا من الأصل إلى الحكاية لمناسبة بينهما ، كذلك لا يبعد أن تنتقل عن الحكاية إلى الأصل ، فكثيرا ما يعرض لها أن تتخيل فعلها ذلك مرة أخرى فترى كأن مخاطبا يخاطبها (٤) بذلك ، وكثيرا ما لم يكن كذلك ، بل كان كأنها تعاين الشىء معاينة صحيحة من غير أن تكون النفس اتصلت بالملكوت ، بل تكون محاكاة من المتخيلة للمحاكاة فترجع إلى الأصل.
وهذا الضرب من الرؤيا الصحيح قد يقع عن (٥) التخيل من غير معونة قوة أخرى وإن كان الأصل فيه ذلك فيرجع ، وربما حاكت هذه المحاكاة محاكاة (٦) أخرى فتحتاج إلى تعبير المعبر مرة أخرى ، وهذه أشياء وأحوال لا تضبط.
ومن الناس من يكون أصح أحلاما ، وذلك إذا كانت نفسه قد اعتادت الصدق وقهر (٧) التخيل الكاذب وأكثر من يتفق له أن يعبر (٨) رؤياه فى رؤياه هو من كانت همته مشغولة بما رأى ، فإذا نام بقى الشغل به بحاله ، فأخذت القوة المتخيلة (٩) تحاكية بعكس ما حاكت أولا. وقد حكى (١٠) أن هرقل الملك رأى رؤيا شغلت قلبه ولم يجد عند المعبرين ما يشفيه ، فلما نام بعد ذلك عبرت (١١) له فى منامه تلك الرؤيا ، فكانت مشتملة على إخبار عن أمور تكون فى العالم وفى خاص مدينته ومملكته ، فلما دونت تلك الإنذارات خرجت على نحو ما عبر له فى منامه ، وقد جرب (١٢) هذا فى غيره.
والذين يرون هذه الأمور فى اليقظة منهم من يرى ذلك لشرف نفسه وقوتها
__________________
(١) منه : عنه ك
(٢) وباقية : وما فيه ك.
(٣) تنتقل : انتقلت له ، م.
(٤) يخاطبها : مخاطبة د ؛ يخاطبه م.
(٥) عن : من م.
(٦) محاكاة : بمحاكاة ك.
(٧) وقهر : وقهرت ف
(٨) يمبر : + تأويل د ، ك.
(٩) المتخيلة : المخيلة م.
(١٠) حكى : روى م.
(١١) عبرت : عبر د ، ف ، ك.
(١٢) جرب : خبرت د ؛ خبرت مثل ك.