بل على سبيل علامات إذا حصل أقربها من الغرض انتقلت (١) النفس إلى الغرض فى مثل تلك الحال ، ولو كانت (٢) الحال غير ذلك لم يجب ـ وإن أخطر صورة الأقرب أو معناه ـ أن تنتقل ، كمن يخطر بباله كتاب بعينه فتذكر منه معلمه الذي قرأ عليه ذلك الكتاب. وليس يجب من إخطار صورة ذلك الكتاب بالبال وإخطار معناه أن يخطر ذلك المعلم بالبال لكل إنسان. وأما العلم (٣) فإن السبيل الموصلة إليه ضرورية النقل إليه وهى (٤) القياس والحد.
ومن الناس من يكون التعلم أسهل عليه من التذكر ، لأنه يكون مطبوعا على ضروريات النقل ، ومن الناس من يكون بالعكس ، ومن الناس من يكون شديد الذكر ضعيف التذكر ، وذلك لأنه يكون يابس المزاج فيحفظ ما يأخذه ، ولا يكون حرك (٥) النفس مطاوع (٦) المادة لأفعال التخيل واستعراضاته ، ومن الناس من يكون بالعكس. وأسرع الناس تذكرا أفطنهم للإشارات ، فإن الإشارات تفعل نقلا عن المحسوسات إلى معان غيرها ، فمن كان فطنا فى الإشارات كان سريع التذكر. ومن الناس من يكون قوى الفهم ولكن يكون ضعيف الذكر ويكاد أن يكون الأمر فى الفهم والذكر بالتضاد ، فإن الفهم يحتاج إلى عنصر للصور الباطنة شديد الانطباع ، وإنما تعين عليه الرطوبة ، وأما الذكر فيحتاج إلى مادة يعسر انفساخ ما يتصور فيها ويتمثل ، وذلك يحتاج إلى مادة يابسة ، فلذلك يصعب اجتماع الأمرين. فأكثر من يكون حافظا هو الذي لا تكثر حركاته ولا تتفنن هممه ، ومن كان كثير (٧) الهمم (٨) كثير الحركات لم يذكر جيدا ، فيحتاج الذكر مع المادة المناسبة إلى (٩) أن تكون النفس مقبلة على الصورة وعلى المعنى المستثبتين (١٠) إقبالا بالحرص غير مأخوذة عنهما باشتغال آخر ، (١١) ولذلك كان (١٢) الصبيان مع رطوبتهم يحفظون جيدا ، (١٣) لأن (١٤) نفوسهم غير مشغولة بما تشتغل به نفوس (١٥) البالغين ، فلا تذهل عما
__________________
(١) انتقلت : انتقل د ، ف ، ك.
(٢) كانت : كان م.
(٣) العلم : المعلم د ؛ التعلم ك.
(٤) وهى : وهو د ، ف ، ك.
(٥) حرك : حركة ك
(٦) مطاوع : تطاوع ك ؛ مطاوعة م.
(٧) كثير الهمم : ساقطة من د
(٨) الهمم : الفهم م.
(٩) إلى : ساقطة من ك
(١٠) المستثبتين : المستبين في.
(١١) باشتغال آخر : بأشغال أخرى ف
(١٢) كان : فإن د ، ف.
(١٣) جيدا : جدا ك
(١٤) لأن نفوسهم : لا نفوسهم م
(١٥) نفوس : النفوس م.