وأعجب من هذا ما قال صاحب هذا القول : إن الأشجار تعرق من أسفل لأن الأرضية تتحرك إلى أسفل وتتفرع (١) إلى فوق ، لأن النار تتحرك إلى فوق. فأول غلطه هو أن كثيرا من النبات أغصانه أثقل من عروقه. وثانيا أنه لم لا ينفصل بهذه الحركة فيفارق الثقيل الخفيف. فإن كان ذلك لتدبير النفس فليجعل التعريق والتفريع أيضا للنفس ، وعلى أنه يشبه أن يكون الفوق فى النبات حيث رأسه ، ورأس النبات عروقه ومنه منشؤه ، ثم إن آلة هذه القوة الأولية هى الحار الغريزى ، فإن الحار هو المستعد لتحريك المواد ويتبعه (٢) البرد لتسكينها عند الكمالات من الخلق (٣) محتوية (٤) عليها. وأما من الكيفيات المنفعلة فآلتها الأولية الرطوبة ، فإنها هى التي تتخلق وتتشكل ، وتتبعها اليبوسة فإنها تحفظ الشكل وتفيد التماسك. والقوة النباتية التي فى الحيوان جسما فإنها تولد جسما حيوانيا ، وذلك لأنها نباتية تتعلق بها قوة الحيوان ، وهى (٥) الفصل الذي لها مما يشاركها فى كونها ذات قوة التغذية والنمو ، فتمزج (٦) الأركان والعناصر مزاجا يصلح للحيوان. إذ ليس تتولى مزاجها القوة المشتركة بين النبات والحيوان من حيث هى مشتركة ، فإنها من حيث هى مشتركة لا توجب مزاجا خاصا ، بل إنما توجب مزاجا خاصا فيها لأنها مع أنها غاذية هى أيضا حيوانية فى طباعها أن تحس وتحرك (٧) إذا حصلت الآلة ، وهى بعينها حافظة لذلك التأليف والمزاج حفظا ، وإذا أضيف إلى ذوات التأليف كان قسريا ، (٨) لأنه ليس من طباع العناصر والأجسام المتضادة أن تأتلف لذاتها ، بل من طباعها الميل إلى جهات مختلفة ، وإنما تؤلفها النفس الخاصة. مثلا فى النخلة نفس نخلية ، وفى العنب نفس عنبية ، وبالجملة النفس التي تكون صورة لتلك المادة. والنفس إذا صارت نخلية كان لها مع أنها نفس النمو زيادة أنها نفس نخلية ، وفى العنب أنها نفس عنبية ، وليست النخلة (٩) تحتاج إلى
__________________
(١) وتتفرع : وتفرع د ، م ؛ وتفترع ف.
(٢) ويتبعه : ويتبعها د ، ك ، م
(٣) الخلق : الحق د
(٤) محتوية : مختومة د ، ف.
(٥) وهى : وهو ك ، م.
(٦) فتمزج : فتمتزج ك.
(٧) وتحرك : وتتحرك م.
(٨) قسريا : قسيريا ك.
(٩) النخلة : النخلية ك.