أحوال بعضها ينفعها (١) فى أنفسها ، مثل كونها ذوات عروق منها تغتذى ، وذوات لحاء (٢) بها تتقى ، وبعضها لينتفع بها غيرها من الحيوان ، كما زين بعضها بالتزايين ، (٣) التي إنما ينتفع بها الحاس لا غير ، وينتفع بها لا المزين ، (٤) بل غيره ، مثل النقوش الحسنة والأراييح الطيبة.
ولما كان التكون بالتصور والتشكل ، والتصور والتشكل لا تنقاد له إلا الرطوبة ، فلا بد فى التصور الأولى من رطوبة ؛ (٥) ولأن قوام المغتذى بالغذاء على أنه شبيه بالقوة ، والغذاء يغذو بالاتصال ، والاتصال لا يسهل إلا بالرطوبة. وأيضا فلا بد فى بقاء المتصور من رطوبة ، وذلك لأن المتصل والمتصل به يتشابهان (٦) بالفعل إذا صار الغذاء غذاء بالفعل ، فيكون الأصل أيضا رطبا فى نفسه إذ كان الوارد شبيها به ولم يجر فى المجارى إلا رطبا. ولما كان الغذاء يحتاج إلى سهولة الافتراق ، وسهولة السيلان ، لم يكن أيضا بد من رطوبة. ولما كان الطبخ والتسييل والتفريق بالتحليل لا يصدر إلا عن الحار ، لم يكن بد للبدن المغتذى من حرارة.
فإذن الحياة النباتية ، وبالجملة الغذائية ، تتعلق بالرطوبة والحرارة. فمزاج كل نبات رطب حار فى نفسه ، وهو الغالب عليه. وإن كان منه ما هو بالقياس إلى أبداننا يابس بارد. وسنتكلم فى هذا الباب بعض الكلام إذا عرض (٧) وقته. وإذا كانت هذه الحياة بالرطوبة والحرارة ، فالموت المقابل إنما يعرض لفناء مادة الرطوبة وطفوء (٨) الحرارة.
وذلك لأن هذه الحياة لجرم رطب وحار ، والرطب الحار يتحلل والمتحلل ينتهى تحلله أو يأتيه بدل ، فالبدل رطب ، فإذا انقطعت مادة الرطوبة وطفئت الحرارة المتعلقة بها على سبيل التغذى ، وعلى نحو ما قيل فى مواضع أخرى ، وعلى ما بسطناه كل البسط فى كتابنا الكبير فى صناعة الطب ، لزم أن يفسد جوهر الذي له هذه الحياة. فإذن استحالة مزاج مثله إلى برد ويبس فناء.
__________________
(١) ينفعها : لنفعها د
(٢) لحاء : الحاء د ، سا
(٣) بالتزايين : بالتزاين م.
(٤) المزين : المتزين سا
(٥) رطوبة : الرطوبة ط.
(٦) يتشابهان : متشابهان ط
(٧) عرض : أعرض م
(٨) وطفوء : وانطفاء ط.