تخصص في ترجمة الكتب العلمية والفلسفية. وقد سبقت هذه الترجمة وضع «كتاب الحيوان» للجاحظ ، وكان لها شأن فيه. ولا يتردد الجاحظ نفسه في أن يشير إلى أرسطو ، وينوّه ببعض آرائه ، وإن ناقشها وعارضها أحيانا ، ويسميه «صاحب المنطق» (١) ونقل ابن زرعة (٣٩٨ ه) وهو معاصر لابن سينا ، ملخصا لكتاب الحيوان الأرسطي من صنع نيقولا الدمشقى (القرن الأخير قبل الميلاد) (٢). ووقف العرب أيضا على كثير من دراسات جالينوس (٢٠١ م) البيولوجية.
(ا) أرسطو عالم الأحياء
عنى أرسطو بالتاريخ الطبيعى عناية كبرى ، وأولع به منذ صغره ، ولا غرابة فهو ابن طبيب. وغذّاء في رحلاته المختلفة ، وقراءته المستفيضة لكل ما يتصل بالحيوان لدى الباحثين السابقين ، وبخاصة هوميروس وديمقريطس وأفلاطون. واستمد شيئا مما كشفت عنه حملة الاسكندر وحروبه. ولا أدل على هذا من أنه اتخذ فى «اللوقيون» متحفا يجمع فيه بقايا الطير والحيوان ، وكان يجرى عليها بنفسه بعض التجارب (٣).
وتوافرت له بذلك مادة لم تتوافر لأحد سواء في التاريخ القديم ، وقلّ أن نجد لها نظيرا في التاريخ الحديث. ويكفى أن نعلم أنه كتب في التاريخ الطبيعى أكثر مما كتب فى أى موضوع آخر ، وقف عليه ما يزيد على ثلث ما وصلنا من مؤلفاته تقريبا ، ووضع فيه أطول كتبه (٤) وإذا كان من المسلم أنه واضع علم المنطق ، فإنه يعد بحق المؤسس لعلم الأحياء. حدد موضوعه ، ورسم منهجه ، وعالج نواحيه المختلفة ، فعرض لما يزيد على خمسمائة نوع من الحيوانات ، وحاول أن يصنفها ويبين خصائصها ومميزاتها ، ويشرّح أجزاءها ، ويحدّد وظائف أعضائها. ووقف طويلا عند نموها وتناسلها ، وأشار إلى أثر الجو والبيئة فيها ، مما يضطرها أحيانا إلى الاختفاء أو الهجرة. ولا يزال قدر كبير مما سجله من ملاحظات وانتهى إليه من معلومات مسلما به حتى اليوم.
وكان لدراساته البيولوجية أثرها في القرون الوسطى ، ثم أهملت نوعا في عصر النهضة والتاريخ الحديث. ولم تقدر قدرها إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، ويكفى
__________________
(١) الجاحظ ، الحيوان ، ساسى : ج ١ ، ص ٨٥ ؛ ج ٢ ، ص ١٨ ؛ ج ٣ ، ص ١٦٢ ؛ ج ٤ ، ص ٥٢ ؛ ج ٥ ، ص ١٤٧ ، ١٥٦ ؛ ج ٦ ، ص ٧٢ ؛ ج ٧ ص ٤٠.
(٢) ابن النديم ، الفهرست ، القاهرة ، ١٩٣٠ ص ٣٥٢.
(٣) Aristote, Histore, des Animaux Paris ١٩٥٦, IV, ٧, ٥٣١ b ٣٠ ـ ٥٨٢ a ١
(٤) Pierre Louis, Aristote, Partiesdes Animaux, Paris ١٩٥٦, Introduction P, V ـ VI