العروق من أزواج أربعة ، زوج يخرج من خلف الرأس إلى العنق من خلف إلى أسفل ، وزوج آخر من الرأس عند الأذنين إلى الفقار والظهر. وجعل مبدأ العروق جملة من الرأس والدماغ. وأما المعلم الأول فإنه يرى أن مبدأ العروق من القلب. ومن قبله ومن بعده (١) من الأطباء المعتد بهم يرون أن مبدأ العروق الساكنة الكبد. وكذلك (٢) خالفهم في أمر العصب ، فإنه يرى أن مبدأها (٣) القلب وهم يرون أن مبدأها الدماغ. وقد اشتد بهم التعصب فى هذا الباب. والذي يحرض شيعة (٤) المعلم الأول على ذلك جعلهم القلب مبدأ جميع القوى النفسانية ؛ وأما نحن ، وإن كنا نعتقد أن منبعث القوى النفسانية كلها القلب ، فلسنا بشديدى (٥) الجد في أن نجعل مبدأ هذه الآلات من القلب لا محالة ، وإن كنا إلى ذلك أميل ؛ ولا أيضا نحن ملتفتون (٦) إلى ما يحسب فاضل الأطباء من أنه قد (٧) بالغ في البرهان على أن مبادئ العروق والعصب ليست من القلب بقوله : إن الوريد الواصل بين القلب وبين الكبد أصله الغليظ عند الكبد ويتفرع عند الكبد إلى فروع وأحدها الذي يجيء إلى القلب فإنه (٨) ينفذ في (٩) القلب كشىء غريب من جوهره ، ويشقه من خارج شقا يدل على كسرة جرمه إلى داخل ، وأن الكبد لما كان ينفذ إليه الدم ، فمنه لا محالة ما ينبعث إليه المجارى. وكذلك قوله في العصب إنه عند الدماغ أغلظ ، وبجرم الدماغ أشد اختلاطا ، وبه أشبه ، وعنده ألين ، وعند القلب أصلب ، وعنه أغرب ، واتصاله به كالإلصاق ، وهو شعبة من عدة شعب ؛ فإن هذه الأشياء كلها وما يجرى مجراها سمعناها ، ووجدناها (١٠) أمارات ، وليست بدلائل ، فضلا عن أن يكون لها إلى (١١) إقناع النفس البرهانى سبيل.
وأقول : أولا ليس ببعيد أن يكون الدماغ والكبد يرسلان من عندهما إلى القلب آلة يستفيدان بتوسطها (١٢) من القلب شيئا فعل الكبد عند الابتداء بالمعدة والأمعاء ، فإنه يرسل
__________________
(١) ومن بعده : وبعده د ، سا.
(٢) وكذلك : ولذلك ب ، د ، سا ، م.
(٣) مبدأها (الأولى والثانية) : مبدؤه م.
(٤) شيعة : شيعته د ، ط.
(٥) بشديدى : نشدد ط.
(٦) ملتفتون : ملتفون م
(٧) قد : ساقطة من ب ، م.
(٨) فإنه : وإنه ط
(٩) فى : إلى م.
(١٠) ووجدناها : فوجدناها م.
(١١) إلى : ساقطة من م.
(١٢) بتوسطها : بتوسطهما ب ، د ، م.