وحين كان الصفار بعيدا عن موطنه ، وبحكم وجوده في أرض غير إسلامية ، فقد وجد نفسه فجأة محروما من تلك المؤشرات الثقافية المحددة لعنصر الزمن. فقال لنا إن اللقاء مع الملك لوي فيليب (Louis ـ Philippe) قد حدد موعده «في عاشرة النهار» ؛ وإن حفل الاستقبال بالقصر الملكي بمناسبة رأس السنة الجديدة هو «أول يوم من يناير عندهم». أي أن فرنسا كانت من حيث عنصر الزمن أرضا تسود فيها الساعة الميكانيكية والتقويم المسيحي ، ويقاس فيها الوقت بفوارق زمنية محددة. وكانت توجد في المغرب أيضا ساعات ، لكنها غالبا ما كانت تتخذ تحفا تزيينية (١). وقد شاهد الرحالة الأوربيون نماذج منها في بعض الديار الراقية ، لكنها نادرا ما كانت تموضعات عقاربها مطابقة للتوقيت الصحيح. ولا يعني ذلك أن المغاربة كانوا يجهلون الساعة الميكانيكية ، لأن العكس هو الصحيح ، وإنما كان اهتمامهم بها غير كبير (٢). فالمشكل الذي كان يعاني منه الصفار ليس هو معرفة الساعة بدقة خلال اليوم ، بقدر ما كان منشغلا من الناحية الدينية بالمواعيد التي تحدد مواقيت الصلاة بموجبها.
وهناك جانب أساسي آخر من جوانب الحياة اليومية شكل حقلا نتتبع فيه الصفار مرة أخرى وهو يخوض مغامرة المواجهة مع الجديد ، ألا وهو الحد الفاصل بين المجالين الخاص والعام. وسبق لمايكل جيلزنان (Michael Gilsenan) أن قال بأن «المجال ليس نوعا من الأشكال الجاهزة ، بل هم عبارة عن مجموعة من البنيات والعلاقات التي لا بد من الاطلاع عليها ... واكتسابها بالتالي بطريقة ثابتة خلال الحياة اليومية» (٣). إن حاجيات بني الإنسان وأنشطتهم متباينة من ثقافة إلى أخرى ، والمجال هو الميدان الذي تمارس على أرضيته تلك الوظائف على اختلافها. ولعل تعرف الفرد الأجنبي على القوانين المعقدة التي تحدد المجال ووظائفه الاجتماعية المتغيرة
__________________
(١) ونستثني من ذلك طبعا ، الساعات الموجودة في القصور السلطاني والجوامع الكبيرة التي يحرص على ضبط توقيتها لتحديد أوقات الصلاة بشكل سليم. ابن زيدان ، العز ، ١ : ١٣٨ ـ ١٣٩.
(٢) أشار جون دراموندهاي أثناء وصفه لإحدى دور الأعيان بمدينة الرباط ، إلى أنها : «كانت مفروشة على النمط المغربي الرفيع ، وكانت بها زرابي من مختلف الأصناف ، وعدة مرايا وساعات. وكان يطلق العنان للساعات لكي تختار لنفسها التوقيت الذي ترغب فيه» ، انظر : Journal ,p.٣٤
(٣) Michael Gilsenan, Recognizing Islam : Religion and Society in the Modern Arab World) New York (, ٢٨٩١ (, p. ٧٨١.