وتزوج بها. وفي هذا النهر داخل هذه المدينة ما لا يحصى من المراكب والبابورات والفلائك. وعلى حاشيتية أسواق وحوانيت مزخرفة بالسلع والأشياء الرفيعة ، وحوانيت اللحم والخبز والفواكه والخضر وغير ذالك. وعليه بداخل البلد القناطر الضخام المشيدة على الأقواس والأعمدة العظام. وكل هذه القناطر عليها صفوف من الفنارات من الزجاج الصافي تضيء باليل على الطريق والمول (١). وكذلك سائر طرقها وحوانيتها يكون لها باليل منظر عجيب.
وبها الكثير من العساكر والجيوش ، وديارهم وهي من جملة إيالات فرانسا حاكمة على غيرها ، بها جلنار العسكر وكبير البلد الذى يسمونهم بلسانهم البريفي (٢) كما تقدم في مرسيليا. وبها كثير من ديار الصنائع التي يسمونها الفبريكات (٣) ، حتى أن جل حيطانها سود من دخان ديار الصنائع ، وغالب من يخدم في هذه الصنائع بهذه المدينة وغيرها النساء ، فعلين العمدة في ذالك.
وأهلها جادون كل الجد في البناء بداخلها وزيادة العمارة بأطرافها ، حيت انتهى البناء المتصل. فبها قناطر جدد وطرق الحديد (٤) ، توصل منها لغيرها ومن غيرها لها. وهذه المدينة يكثر القصد إليها بالأسفار والسلع ، إذ هي من أعمدة بلاد فرانسا لما اختصت به من الصانع والفبريكات التي لا توجد أو هي قليلة في غيرها من بلادهم. وبناؤها أتقن وأحكم من بناء مرسيليا ، وبخارجها عمران متزاحمة جدا حتى كادت أن تكون كلها مدينة واحدة. ولم نر هذه المدينة كغيرها من المدن التي في طريقنا هذه إلا بالمرور عليها ، ولم يكن لنا استقرار في شيء منها ، فلذالك نقصر في وصفها.
ثم انفصلنا عن المدينة وأحوازها في طريق بين الجبال وعلى رءوسها ، لاكن تمر عليها الكراريص بسهولة عهدك بنفسك في البطحاء والجبل أمامك حتى تجد نفسك على رأسه ، وذلك لبسطهم الطرق وتدييرها مع الجبال ، وإعلاء ما كان منها منحذرا والنقص مما كان منها عقبة ، حتى تصير كأنها كلها وطاء ، ولا تحس بالعقبة إلا في
__________________
(١) من الفرنسية (Mo؟le) ، أي رصيف المرسى (المعرب).
(٢) ويقابلها بالفرنسية (Le pre؟fet).
(٣) ويقابلها بالفرنسية (fabriques).
(٤) ويعني بها السكة الحديدية التي سيأتي الحيث عنها بالتفصيل.