دار كتبهم (١)
ومن الغد ذهبنا لدار الكتب السلطانية ، أعني خزانتها. وهي دار كبيرة لها أربع طبقات ، في كل طبقة خمسة أو ستة بيوت كبار عالية جدا. وكل جوانب البيوت من الأرض إلى السقف مملوءة كتبا في خزائن من الخشب ، وزيد في وسط البيت صناديق عالية صفا واحدا على طول البيت. وكل هذه الكتب بالتسافير الحمراء الجديدة الجيدة ، مرتبة أحسن ترتيب ، وكل واحد مكتوب عليه اسمه في ظاهر جلدته مما يوالي المواجه له (٢). وكل هذه البيوت في غاية الغاية من النظافة ، لا يوجد فيها زبل ولا غبار ، ولا عنكبوت ولا سوس في الكتب ولا بق ، ولا غير ذالك.
ولها قومة وخدمة يقومون عليها ويحفظونها ، وبيد كبيرهم مفتاح تلك البيوت. ولا يمنعون من أراد الدخول لها ، لاكن يدخل ويجلس في بيت معلوم في وسطه طبلة احتف بها كراسي للجلوس ، ويطلب من قيمها ما شاء من الكتب يأتيه به ينظر فيه هنالك ، وينسخ منه إن أراد ويطالع ما أراد حتى يقضي غرضه ويذهب ، ولا يرخص لأحد في إخراج كتاب واحد منها. وقومتها دائما فيها لا تقلق ولا تحجر ، ويعرفون أسماء جميع ما فيها من الكتب. فمهمى قلت لواحد منهم إيتني بالكتاب الفلاني ،
__________________
(١) يقصد الخزانة الملكية التي أصبحت تشكل اليوم جزءا من الخزانة الوطنية في بنايتها القديمة. أما في المغرب ، فغالبا ما كانت كبريات الخزانات ملحقة بالجوامع الكبيرة كما هو حال القرويين في فاس ، بينما توجد المجموعات الخاصة من الكتب في حوزة أسر كبار الأعيان والأثرياء ، انظر :
(٢) كانت توضع الكتب وقتئذ في خزانات البلدان الإسلامية بطريقة مكدسة ، وتكتب عناوينها فوق الحواشي السفلى لأوراق الكتاب المواجهة للمشاهد بدلا من أن تكون فوق ظهر الكتاب ، انظر :
F. Rosenthal, Techniques and Approach, p. ١١, note ٣.