كل شكل على حدته في لوحة ذات بيوت كثيرة ، كل بيت يملأ بحرف خاص.
ثم بعدهم بيت آخر فيه النساخون (١). وعملهم أن يوتون بالكتاب الذي يريدون طبع مثله بورقة منه مثلا وينزلها النساخ أمامه ، ويأخذ في يده اللوحة ويرتب فيما الحروف مثل ما هي في الورقة. فينزل أولا السطر كله في حديدة حتى يكمل ، ثم يضعه في اللوحة ، ثم يعدل سطرا آخر وينزله ، وهكذا حتى يعمر لوحته على قدر ما فيها من الأسطر. وحروفها مثل الحروف التي في الورقة ومرتبة ترتيبها ، فيفعل هذا صانعه المذكور وإن كان لا يعرف الكتابة والقراءة ، يكفيه أن يعرف مقابلة الحروف بمثلها. فاختبرنا واحدا منهم ، وكتبنا له بيدنا سطرا ، فأنزله كما هو بحروفه وترتيبها. ثم قلنا له افسخه ففسخه ، وكانت أربعة وثلاثين حرفا ، فرد كل حرف في بيته الذي ينزل فيه بسرعة ، أخذها بيده جملة ثم جعل يفرقها في بيوتها كأنما يدرّ درورا على شيء ، فلم يخط في حرف واحد منها بإنزاله في غير محله مع غاية السرعة ، فتعجبنا منه غاية العجب. فإذا رتبت الحروف في اللوحة ، دخلت ليد عملة آخرين.
فدخلنا بعد هذا بيتا فيه صهاريج من ماء ، ورزم الكاغيد منزلة على حواشي الصهاريج. وذالك أنهم يغمسون الكاغيد أولا في الماء ، فيدخلون أربع أو خمس ورقات جملة في الماء. ثم يخرجونها ويضعونها على حاشية الصهريج حتى يسيل عنها الماء ويذهب عنها بعض البلل.
ثم بعدها بيت آخر فيه آلات ودوالب ، وهي على نار لا ترى ينشف فيه الكاغيد من البلل المذكور. على كل دولب ثلاث خدامات ، واحدة تدخل أوراق الكاغد في الدولب ، وأخرى تأخد الأوراق الخارجة من الدولب فتدخل الورقة مبلولة ، فتدور في الدولب فتخرج يابسة بحرارة نار هناك باطنية. ثم تدخل هذه الأوراق ولوحة الحروف لبيت الطبع ، وهو على نوعين : أحدها باليد والآخر بالدولب. فأما الأول فيحتاج إلى ثلاثة أناس ، فيأخذ أحدهم لوحة الحروف وينزلها في محلها التي تنزل فيه على شيء مرتفع أمامه. وإذا نزلت المرة الأولى فلا تعود ترتفع من محلها حتى يفرغ من الطبع بها. وءاخر بيده جلدة مطوية على عود يطليها أولا بالمداد ، ثم يمرها على الحروف التي في اللوحة ليسودها بالمداد. ومدادهم ليس سائلا كمدادنا ، بل يعطي الصبغ من غير سيلان. ثم يأخذ الأول الورقة التي يريد طبعها بيضاء ، ويجعلها على لوحة أخرى ،
__________________
(١) كما يبدو من السياق ، فإن الصفار يعني بذلك مصففي الحروف.