ويفصل بينها وبين اللوحة بما يمنع وصول الوسخ لها. ثم ينزلها على لوحة الحروف ، ويطبق عليها من فوق بئالة رزينة من الحديد بحركة يديرها ، ثم يفتح عنها فتخرج الورقة مطبوعة. فيأخذها شخص آخر هو ثالث العملة ، ويطبعون على تلك اللوحة ما شاءوا من الأوراق ، ماية وألفا أو عشرة آلاف كلها متماثلة. وكذالك يفعلون في ورقة أخرى وأخرى ، حتى يأتوا على آخر أوراق الكتاب. فيوم يتم الكتاب ، يخرج معه ألف كتاب مثلا. وإذا توفرت الشروط فلا تبقى كلفة في الطبع ، ففي الساعة الواحدة يطبع المئين من الورقات.
والنوع الآخر من نوعي الطبع يكون بالدولب ، تارة يدوره شخص وتارة يدور وحده بحركة البابور أو بالماء الجاري كالرحى. فيجلس واحد ويأخذ الورقة ، فيطعمها الدولب فيبتلعها الدولب ، وتدور فيه حتى تمر على لوحة الحروف ، فتنفصل عنه مكتوبة ، فيأخذها شخص آخر ، وفيه تلك الجلدة تأخذ المداد من محل هنالك ، وتنزل على الحروف فتسود. كل ذالك بالحركات لا باليد ، ففي دورة تنزل الورقة على الحروف فتنطبع ، وفي دورة أخرى تنزل عليها جلدة المداد فتسودها والحركة متصلة. وهذه اللوحة التي فيها الحروف ، إذا فرغ من الطبع بها فسخت منها تلك الحروف ووضع فيها حروف أخر ترتيب ورقة أخرى. وقد يتركونها بحروفها ويرتبون غيرها في لوحة أخرى ، فيتركون الكتاب كله مرتبا في ألواحه ، فإذا أرادوا طبعه مرة فلا يتكلفون لترتيب حروفه مرة أخرى. رأينا عندهم بيوتا فيما ألواح كتب معينة مرتبا فيها حروفها.
وبعد فراغ الكتاب من الطبع ، إن أرادوا تسفيره فهناك صنعته أيضا. فيدخل لبيوت أخر ، أحدهما تقصص فيما حواشيه بحركة البابور تحرك السكين حتى تمرها على حواشي الأوراق فتقصصها. وبيت آخر تزير فيه بئالة ، بأن تجمع رزم من الكاغيد وتجعل بين لوحين ، أحدهما من فوق والآخر من أسفل بين أعمدة من الحديد وتحرك بالماء حتى تنحصر لأعلا فذالك زيّارها. وبيت آخر فيه عمل التسفير ، فتدخل لهذه الدار الأوراق بيضاء ويخرج منها الكتاب مسفّرا.
وأعجب ما رأينا عندهم من آلة الكتابة ، نوع خاص يطبع لك الكتاب بأي خط شئت ، عربيا أو عجميا ، مغربيا أو مشرقيا ، أو كيف ما شئت. وذالك أنهم يأتون بالورقة مكتوبة بمداد خاص يصنعونه مستحمر اللون كمداد الجوز ، فيضعونها على حجرة عندهم ، ويشدون عليها ثم يحلون عنها فتنطبع الكتابة في الحجرة كما هي في