تمهيد
في يوم من أيام ربيع سنة ١٨٤٦ ، وبعد أن عاد محمد الصفار من رحلته إلى فرنسا ، حمل القلم وشرع في الكتابة في جو مفعم بالروائح الزكية المنبعثة من الأزهار المتفتحة لأشجار البرتقال المنبثة في البساتين المحيطة بتطوان ، مسقط رأسه. وقد استعان في ذلك بحزمة ضخمة كانت أمامه تضمنت العديد من المعطيات التي تذكره بالناس والأماكن ، وبمختلف العجائب التي رآها أو سمع عنها خلال رحلته. وبعد أن دعا الله وطلب منه العون والتوفيق ، شرع بكامل الصبر والأناة في العمل ، وبدأ في تحرير انطباعاته على الورق بأسلوب ثابت هادئ ، معتمدا في ذلك على خبرته الطويلة في ميدان الكتابة.
وعند بداية شهر شتنبر / أيلول ، حين بدأت أزهار الربيع اليانعة تتحول إلى دوائر ذهبية اللون ، كتب الصفار السطور الختامية لمخطوطته معبرا عن تلك الفرحة الكبيرة التي تهز الفرد كلما فرغ من عمل عسير وشاق بالعبارات التالية : «وهذا ما تيسر للعبد الضعيف جمعه مع تشويش البال وتزاحم الأشغال ، ولو لا مساعدة من تجب إجابته وتتحتم طاعته ، لما كدت ولا قررت أن أفعل شيئا من ذلك» (١). وتوحي هذه الكلمة الختامية ، إلى جانب السرعة التي حررت بها ، بأن الطلب الذي كان الصفار بصدد الاستجابة إليه ، نابع لا محالة من شخص السلطان نفسه.
لماذا كان المولى عبد الرحمن ـ أمير المؤمنين وسليل نبي الله محمد صلى الله
__________________
(١) انظر الصفحات الأخيرة من نص الرحلة في نهاية هذا الكتاب.