علاقة المغرب بفرنسا والجزائر
كان أبرز حدث هزجيل الصفار هو الاحتلال الفرنسي للجزائر سنة ١٨٣٠. ولما تمكن الفرنسيون من توسيع مجال احتلالهم من المناطق الساحلية للجزائر إلى أعماق البلاد ليصبح احتلالهم لها شاملا ، أدى ذلك إلى تحطيم مفاجئ لاستمرارية المجال الذي كان بين البلدان الإسلامية الممتدة من مصر إلى المغرب منذ القرون الأولى للعهود الإسلامية. وقد أصبح التوغل الفرنسي يعني للمغرب أن دولة مسيحية أصبحت تجاوره على طول حدود ممتدة على أرض سهلية وأخرى صحراوية بكل ما تسمح به من فسح للمجال المغربي أمام الفرنسيين. إن هذا الواقع الجديد ليعتبر انقلابا حقيقيا لم تشهد البلاد مثله من قبل ، ولا بد أن تكون عواقبه متعددة ووخيمة.
ولم تكن تلك أول مرة يجد فيها المغرب نفسه مهددا من الغزاة الوافدين من أوربا ، غير أن التهديد كان مختلفا ومن نوع جديد. لقد اخترق الإيبيريون أجزاء من السواحل المغربية خلال القرنين الرابع عشر والسادس عشر ، إلا أن احتلالهم لها كان في الأغلب احتلالا مؤقتا وعابرا. وفي القرن السابع عشر ، ارتفعت درجة التوتر بصفة قارة بين المغرب وأوربا في عرض المحيطات ، فتبادل القراصنة المغاربة والأوربيون الهجمات على مراكب بعضهم البعض ، محاولين الرفع من مداخيلهم المالية بدعوى الدفاع عن معتقداتهم الدينية (١). وفي أواسط القرن الثامن عشر ، شهدت عمليات القرصنة تقلصا واضحا ، وفسح المجال أمام أشكال التبادل المتسمة بدرجة أقل من العنف. وأصبحت الصراعات العابرة من أحد المظاهر المميزة للعلاقات المغربية الأوربية ، كما شكلت التجارة النشيطة والعلاقات الدبلوماسية مظهرا آخر لتلك العلاقات. وشهد عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله (١٧٥٧ ـ ١٧٩٠) إنشاء مرسى جديدة بالصويرة على ساحل المحيط الأطلسي لجلب أنظار التجار الأجانب
__________________
(١) J. Bookin ـ Weiner," The\'Sallee Rovers\' : Morocco and its Corsairs in the Seventeenth Century", in The Middle East and North Africa : Essays in Honor of J. C. Hurewitz, ed. Reeva S. Simon) New york, ٠٩٩١ (, p. ٧١٣.