أنه السيد الوحيد والمطلق على كل رعاياه» (١).
غادر أعضاء البعثة المغربية مرسيليا يوم ٢١ دجنبر ، واتجهوا برا راكبين العربات ، في طريقهم نحو الشمال ، مخترقين وادي الرون. وفي يوم ٢٧ من الشهر نفسه ، وصلوا إلى أورليان (Orle؟ans) ، وبها كان مبيتهم قبل الدخول إلى باريز. وفي صبيحة اليوم الموالي ، وهو اليوم الخامس عشر منذ انطلاقهم من تطوان ، ركبوا قطارا خاصا نقلهم من أورليان إلى باريز ، فكانت تلك أول رحلة قام بها المغاربة في القطار. وعند وصولهم إلى باريز في وسط النهار ، ذهب بهم مباشرة إلى المكان المخصص لإقامتهم والذي يحمل العنوان التالي : ٦٦ شارع الشانز ـ إيليزي (Champs ـ Elyse؟es).
مشاهدات الصفار في باريز
كانت باريز خلال أربعينيات القرن التاسع عشر ، أكبر العواصم الأوربية وأرقاها على الإطلاق. وربما كانت لندن هي عاصمة العالم المالية ، غير أن باريز كانت قطب الرحى في الثقافة العالمية التي كانت تتدفق منها مشعة بكل ما لديها من ثقة في نفسها بجمالها البالغ أعلى درجات الكمال والنضج. وكانت باريز قد عرفت بعلو كعبها في ميدان الأزياء والموضة ، وبرعت فيها بدرجات جعلتها تنصب نفسها حكما فريدا على مسارها ومآلها. وكانت الحشود الكبيرة من الزوار الوافدين على باريز لمشاهدة صناعتها وفنونها ، وآخر إبداعاتها في عالم الأزياء وغيرها من مظاهر الأناقة والجمال ، تذكر الباريزيين بتلك الدرجات العليا من التطور والرقي اللذين بلغهما وقتئذ المجتمع الفرنسي.
وكان وصول البعثة المغربية إلى باريز كافيا لإثارة اهتمام جل الباريزيين على
__________________
(١) ٢١٦ ـ ٢١٥AAE / CPM ، بورسي (Pourcet) ، إلى كيزو ، ١٩ دجنبر ١٨٤٥. قارن مع الرحلة المغربية التي قام بها إلى إسبانيا خلال القرن السابع عشر ، الوزير الغساني ، الذي رفض قبول الدعوات التي وجهت له في طريقه للاستراحة فأجاب بقوله : «لا يمكننا القيام بموضع من المواضع ما لم نصل البلاد التي نحن قاصدون إليها والطاغية الذي توجهنا إليه». رحلة الوزير في افتكاك الأسير ، ترجمها إلى الإسبانية وحققها ثم قام بنشرها ألفريد البستاني (طنجة ، ١٩٤٠) ، ص. ٩. وكل الإحالات تتعلق بالنص العربي للرحلة.