في رحلته حين قال : «فما كنا نخرج من المحل الذي كنا نازلين به إلا في بعض الأوقات» ، كان أعضاء البعثة المغربية يعيشون حياة اجتماعية نشيطة تحت العيون اليقظة لمضيفيهم الفرنسيين. ورفضت الاستجابة لبعض دعوات الضيافة لاعتبارها لا تناسب مكانة السفير ومرتبته : «فكنا والحمد لله في أعينهم عظاما ، ينظرون إلينا دائما بعين الاحترام والتعظيم ، ولو كنا مبتذلين نكثر في الدخول والخروج لكنا بخلاف ذلك». وكان بوميي (Beaumier) يجيب عن تلك الدعوات برسائل خطية أرفقت في حالات عديدة بهدايا تذكارية من السفير. ومن الأعمال الإحسانية التي قام بها أشعاش تكرمه بمنح «فقراء باريز مبلغ ٥٠٠٠ فرنك ، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية». وأثارت حاتمية السفير وكرمه انتباه الصحافة الباريزية التي تحدثت كثيرا عن شخص السفير واعتبرته رجلا ذا ثروة عظيمة «امتلأت يداه بالهدايا».
وكانت أروع الهدايا وأجملها هي التي قدمت إلى الملك ، فقد سلم إليه أشعاش قبل مغادرة باريز وفي أثناء حفل استقبال بقصر التويلوري ، ستة خيول عربية ، بالإضافة إلى مجموعة من الحيوانات المتوحشة. وكانت تلك الحيوانات الموجهة إلى حديقة النباتات (Jardin des Plantes) ، عبارة عن أسد ونعامتين وثلاثة غزلان بالإضافة إلى صنف من الماعز البري غير معروف في أوربا ، سماه الفرنسيون هكذا :» mouton manchettes «. ووجدت الصحافة صعوبة في التعبير عن تقديرها لقيمة تلك الهدايا في نمطها العربي ، فجاء في تعليق كتبته جريدة الإلوستراسيون L\'il ـ lustration أنه قد : «كان السلاطين المغاربة يحملون معهم الماس والعطور هدايا ، فإذا بأبناء الصحراء يهدوننا اليوم الأسود والغزلان» (١).
العودة إلى المغرب
ودع أشعاش وأعضاء البعثة المرافقين له باريز يوم ٢٧ فبراير ١٨٤٦. وبعد إلحاح شديد من الفرنسيين ، عرج الجميع في اتجاه الجنوب على مدينة تولون (Toulon) التي كان مرساها مقرا أساسيا لوحدات الأسطول الفرنسي. وعند وصولهم هناك ، قاموا بجولة استطاعية لأحد المراكب الحربية التي كانوا يجهلون مساهمتها المباشرة
__________________
(١) العدد الصادر بتاريخ ١٠ يناير ١٨٤٦.