هذا الانسجام في المصالح بين المغرب وفرنسا كان ظرفيا ، إذ أدت ثورة عام ١٨٤٨ إلى محو كل آثاره بصفة تامة. وفي أعقاب ذلك ما لبثت الأطماع الأمبريالية أن برزت من جديد وبدرجة أقوى مما كانت عليه من قبل ، جعلت الدولتين تدخلان مرة أخرى في دوامة الصراع والمواجهة (١).
أما الفقيه محمد الصفار ، فبعد مدة قصيرة من عودته إلى تطوان ، فقد شرع في كتابة فصول رحلته. وربما كانت لديه نية كتابتها منذ البداية ، لأنه اتخذ كناشا سجل فيه كل المعطيات التي عاينها خلال مشاهدته اليومية. ومن المحتمل أيضا أن يكون أشعاش هو الذي أمره بذلك ، حتى يتمكن من تقديم تقرير مفصل ومكتوب عن الرحلة إلى السلطان مولاي عبد الرحمن. ومن الأمور الأكيدة التي لا يتسرب إليها أدنى شك ، هو أن أهم ما خلفته تلك السفارة من أثر حقيقي هو الرحلة في حد ذاتها. وإذا كان الزمن قد أسهم في نسيان اسم السفير ، وكذا في نسيان الهدف الذي وجهت السفارة من أجله ، فإن اسم كاتبها محمد الصفار ظل على العكس من ذلك ثابتا ، بل إنه سيظل كذلك على مر العصور لا محالة.
الصفار وجوانب من حياته
اسمه الكامل هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ، أندلسي الأصل ، تطواني المولد (٢). أتى أجداده من مدينة جايين (Jae؟n) الأندلسية ، وكان والده يلقب
__________________
(١) يمكن العودة إلى ما مييج عن النتائج المترتبة على السفارة وعن تطورات العلاقات المغربية الفرنسية انظر :. ٢٢٠ ـ ٢١٤ : ٢Mie؟ge ,le Maroc
(٢) يعتبر كتاب تاريخ تطوان لمؤلفه محمد داود المصدر الأساسي لحياة محمد الصفار ، ٧ : ٧٨ ـ ٩٨. وقد استفدنا في هذه الدراسة من مصادر أخرى نذكر منها ما يلي : تقييد في ترجمة الوزير الصفار ، مجهول المؤلف ، ومحفوظ بالخزانة الحسنية تحت رقم ١٢٤١٩ ، سنشير إليه من الآن فصاعدا هكذا : التقييد المجهول ؛ أحمد الرهوني ، عمدة الراوين في تاريخ تطاوين ، ٦ : ٥٢٣ ـ ٥٣٣ ، المكتبة العامة بتطوان ؛ العباس بن إبراهيم المراكشي ، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام ، تحقيق ونشر عبد الوهاب ابن منصور ، ١٠ أجزاء (الرباط ، ١٩٧٤ ـ ١٩٨٣) ٧ : ٣٤ ـ ٣٥ ؛ محمد غريط ، فواصل الجمان في أنباء وزراء وكتاب الزمان (فاس ، ١٣٤٧ / ١٩٢٨) ص. ٧٠ ـ ٧١.