وبذلك تقف على قيمة ما روي عن الامام مالك عند ما سئل عن معنى قوله سبحانه ( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) فقال الاستواء معروف ، والكيفيّة مجهولة ، والسؤال بدعة ، والإيمان به واجب (١).
ولا أدري كيف جمع بين قوله « الاستواء معلوم » و « الكيفيّة مجهولة » إذ ليس للاستواء إلاّ معنى واحد وكيفيته هو حقيقته ، فلو جُهلت الكيفية ، جُهل الأصل فلا معنى للاستواء ( وهم يفسّرونه بالجلوس والاستقرار لا بالاستيلاء والاستعلاء ) مع القول بجهالة الكيفية فإنّ الكيفيّة والحقيقة متساويتان.
أضف إلى ذلك أنّه لم يعلم وجه قوله : « وإنّ السؤال عنه بدعة » مع أنّ السائل يريد تفسير الآية والتدبّر فيها ؟ وهل السؤال عن مفهوم الآية بقصد التعلم بدعة ؟
وبهذا عطّلوا العقول عن التدبّر في الكتاب العزيز وتفسير أسمائه وصفاته وأفعاله مع قدرتها على التعرف على ما هناك من الكمال والبهاء والجمال والجلال.
وقد ظهر التعطيل أى تعطيل العقول عن المعارف والالهيات بثوبها الجديد في العصر الأخير ، وقد حمل رايتها المغترّون بالعلوم الطبيعية ، وقد صبغوا نظريتهم بصبغة مادية خدعوا بها عقول البسطاء.
قال « فريد وجدي » :
« بما أنّ خصومنا يعتمدون على الفلسفة الحسّية والعلم الطبيعي في الدعوة إلى مذهبهم ، فنجلعهما عمدتنا في هذه المباحث بل لا مناص لنا من الاعتماد عليهما لأنّهما اللذان أوصلا الإنسان إلى هذه المنصّة من العهد الروحاني » (٢).
__________________
(١) الملل والنحل للشهرستاني ج ١ ص ٦٥ ، والرسائل الكبرى لإبن تيمية ص ٣٢ ـ ٣٣.
(٢) على أطلال المذهب المادي ج ١ ص ١٦.