هو أوّل الأشياء وآخرها ، وانّه لو فرض شيء فهو أوّله كما أنّه آخره بحكم المحيطيّة والمحاطيّة.
ويمكن أن يقال : إنّ الوصفين تعبيران عن أزليّته وأبديّته فبما أنّه واجب الوجود وانّ وجوده نابع من صميم ذاته غير مكتسب من مقام آخر ، يكون أزليّاً فلا يكون لوجوده ابتداء كما لا يكون لوجوده انتهاء ، وبعبارة اخرى فرض كون وجوده واجباً بالذات يستلزم أن لا يتطرّق إليه العدم أبداً لا في السابق ولا في اللاحق وهو يساوق أزليّته وأبديّته وهو يستلزم أن لا يكون له ابتداء ولا انتهاء ولا أوّل وآخر ، ولو وصف بالأوليّة والآخرية يكون المراد منهما أنّه الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء ، وهذا معنى آخر غير ما ذكرنا.
والفرق بين المعنيين واضح فإنّ توصيفه بهما في المعنى الأوّل ينبع من كونه محيطاً بالأشياء كما أنّ توصيفه بهما في المعنى الثاني ينبع من كونه واجب الوجود ممتنع العدم ، وهو خيرة الصدوق في توحيده حيث قال : « إنّه الأوّل بغير ابتداء والاخر بغير انتهاء » (١).
ثمّ إنّ هذه الآية قد وقعت مجالاً لأرباب الاشارات فذكروا في تفسيرها وجوهاً كثيرة تناهز ٢٤ وجهاً (٢) كلّها من قبيل التفسير الإشاري ، وقد ذكرنا في محله أنّ قسماً منه تفسير جائز وقسماً آخر تفسير ممنوع.
وقد ورد لفظ « الأعلى » في الذكر الحكيم ٩ مرّات ووصف به سبحانه في
__________________
(١) توحيد الصدوق : ص ١٩٧ ، وذكر ابن فارس في المقاييس : « إنّ العرب تقول : أوّل ذي أول. وأول أول ويريد قبل كل شيء » ج ١ ص ١٥٨.
(٢) لوامع البينات : ص ٣٢٣ ـ ٣٢٦.