ثمّ إنّ إمام الحنابلة لأجل إتخاذ رأي مسبق في معنى الاية ، التبس الأمر عليه في كلامه السابق من جهات ثلاث :
١ ـ لمّا رأى ظهور الايات في إحاطة وجوده سبحانه بالعالم ، عمد إلى تأويلها بالإحاطة العلميّة مع أنّ حصرها فيها خلاف ظاهرها ، لأنّها ظاهرة في الإحاطة الوجوديّة المستلزمة للإحاطة العلمية.
٢ ـ زعم أنّ العرش في الاية عند القائلين بالإحاطة الوجوديّة بمعنى السرير ، فردّ عليهم بأنّه « إذا كان مستولياً على العالم كلّّه ، فلماذا خصّ في هذه الايات استيلائه بالعرش » ولم يقف على أنّ القائلين بالإحاطة الوجوديّة يرون الاستيلاء على العرش بأجمعه كناية عن استيلائه على صفحة الوجود كاستيلاء الملوك على بلدانهم ، غير أنّهم يدبّرون البلد بالجلوس على سررهم ، والله سبحانه يدبّر العالم من دون أن يكون له سرير.
٣ ـ زعم أنّ القائلين بالاحاطة الوجوديّة يفسّرونه بالاحاطه الحلوليّة المكانيّة فأورد « بأنّ المسلمين يعرفون أمكنة ليس فيها من عِظم الربّ شيء » وغفل أنّ الاحاطة هنا إحاطة قيوميّة لا إحاطة مكانيّة ، ولأجل إيضاح الحال نبحث عن هذا النوع من الإحاطة القيوميّة.
إنّ نسبة الوجود الإمكاني إلى الواجب جلّ اسمه كنسبة المعنى الحرفي إلى المعنى الاسمي ، فكما أنّ المعنى الحرفي قائم بالثاني ، ومتقوّم به ، ولا يتصوّر له الانعزال عنه والاّ لصار باطلاً معدوماً فهكذا الوجود الإمكاني الصادر عنه سبحانه ، فالممكن بذاته قائم بالغير ، متدل به ، لا يتصور له البينونة عن الواجب والعزلة عنه وإلاّ بطل وجوده.