إنّ السماع في الإنسان يتحقّق بأجهزة وأدوات طبيعيّة ، ويتحقّق السماع في الإنسان بوصول الأمواج الصوتية إلى الصماخ ومنها إلى المخ ثمّ إلى النفس.
كما أنّ حقيقة الإبصار في الإنسان تتحقّق بأجهزة وآلات طبيعية حيث تنقل الأضواء الحاملة لصورة الشيء المرئي إلى عدسة العين ومنها ـ بعد أعمال فيزياويّة ـ إلى النقطة الصفراء إلى أن يتحقّق الإبصار ، ولكن إطلاقهما على الله سبحانه ليس بتحقّق هذه المقدّمات فيه أيضاً وذلك لأنّ هذه الأدوات والتفاعلات من لوازم تحقّق الإبصار والسماع في الحيوان والإنسان وليست داخلة في حقيقتهما بصورة عامّة ، وبعبارة اُخرى : انّ هذه الآلات والأدوات والأعمال الفيزياوية التي اثبتها العلم إنّما هي من لوازم الابصار والسماع في الإنسان والحيوان اللذين لا يمكنهما القيام بعملية السماع والابصار إلاّ في ظلّ هذه الاُمور ، فلو تمكن موجود من الوصول إلى ما يصل إليه الإنسان من دون أداة وفعل وانفعال فهو أولى بأن يكون سميعاً وبصيراً ، لأنّ الغاية الحاصلة بعد عمل الحسّ هو حضور الأمواج والصور عند النفس فلو أمكن حضورهما لديه بلا أداة أو بلا عمل فيزياوي أو كيمياوي فهو سميع وبصير قطعاً لتحقق الغاية المتوخّاة.
وبما أنّ جميع العوالم الامكانيّة حاضرة لديه ، والله سبحانه محيط بالموجودات إحاطة قيوميّة والعالم الإمكاني قائم به من الذرّة إلى المجرّة ، فتكون المسموعات والمبصرات حاضرة لديه حضور سائر الأشياء ولأجل ذلك إنّ كثيراً من المحقّقين جعلوا كونه « سميعاً » و « بصيراً » من شعب علمه ولكن علمه بالجزئيات (١).
والمراد من كونه من شُعب علمه بالجزئيات حضور المسموعات والمبصرات
__________________
(١) الأسفار الأربعة ج ٦ ص ٤٢١.