حكمه وفعله وقس على ذلك سائر الايات ، وإلى ذلك يرجع تفسير الحكيم بذي الحكمة ، فهو سبحانه حكيم في تشريعه ، حكيم في تكوينه ، متقن في كل ما يشرع ويكون ، المراد من الاتقان اتقان التدبير وحسن التقدير الذي يدلّ عليه قوله سبحانه : ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ) ( الفرقان / ٢ ).
ومنه يعلم أنّ تفسيره بالمنزّه عن فعل ما لا ينبغي من فروع هذا المعنى ، فإنّ التحرّز من العبث من فروع الاتقان ، قال سبحانه : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ) ( ص / ٢٧ ).
والحاصل انّ الحكم بمعنى المنع ، والحكيم يراد به المتقن بصلة بين الاتقان والمنع ، فمن أتقن فعله تشريعاً وتكويناً فقد منع من طروء الزوال والفساد ، ومن تحرّز عن العبث في فعله فقد صان فعله عن الفساد والزوال.
وعلى ضوء ذلك يستفاد من الحكيم أمران : أحدهما كون الفعل في غاية الإحكام والإتقان.
ثانيهما : كون الفاعل لا يفعل قبيحاً ولا يخلّ بواجب.
والثاني من لوازم الأوّل.
وعلى ذلك فهو من صفات الذات بوجه ومن صفات الفعل بوجه آخر فبما أنّ القيام باتقان الفعل والتجنّب عن العبث سيتوقّف على العلم الوسيع فهو من صفات الذات ، وبما أنّ الفعل يوصف بالحكمة والاتقان وبالحقّ والتنزّه عن الباطل فهو من صفات فعله ، وإليك البحث في كلا المقامين على وجه الاجمال.
أمّا اتقان الفعل فيكفي في ذلك معطيات العلوم الطبيعيّة فقد كشفت عن الإتقان الهائل في الفلكيّات والطبيعيّات ويكفي في ذلك ملاحظة كل عضو من أعضاء الانسان فقد حفّ بقوانين وسنن تُدهش النفوس وتبهر العقول.