فالأوّل هو العقل النظري والثاني هو العقل العملي (١).
وعلى ضوء ذلك فالنظري والعملي وجهان لعملة واحدة لا يختلفان جوهراً وذاتاً ، فإن كان المدرك ممّا ينبغي أن يعلم فيسمّى المدرك عقلاً نظرياً ، وإن كان المدرك ممّا ينبغي أن يفعل أو لا يفعل فالمدرك هو العقل العملي.
إنّ الحكمة العملية تتمشّى مع الحكمة النظريّة في كيفيّة البرهنة والاستدلال فكما أنّ في الحكمة النظرية قضايا بديهية بأصولها الستة تنتهي إليها القضايا النظريّة فهكذا في الحكمة العملية قضايا واضحة تنتهي إليها القضايا غير الواضحة.
نعم إنّ تقسيم القضايا إلى نظريّة وبديهيّة وإن كان دارجاً في الحكمة النظريّة دون العملية ، غير أنّ الحقّ عدم اختصاص التقسيم بها بل قضايا الحكمتين تنقسم إلى قسمين : واضحة وغير واضحة ، وتنتهي الثانية إلى الواضحة في كلتا الحكمتين ، والعقل كما يدرك القضايا البديهية في الحكمة النظريّة من صميم ذاته أو من تصوّر الطرفين مع النسبة فهكذا يدرك القضايا الواضحة في الحكمة العملية إذا لوحظت بذاتها.
هذا هو المهم في باب الحكم بالحسن والقبح العقليين ، وبالوقوف على هذه الحقيقة تعلم قيمة سائر الأقوال فيهما وبما أنّ الحكم في المقيس عليه « الفعل النظري » واضح لا حاجة فيه إلى البيان ، فلنرجع إلى بيانه في الفعل العملي فنقول : إنّ القضايا عند العقل العملي ليس على وزان واحد بل هو على قسمين : منها ما هي مغمورة مجهولة لا يحكم العقل فيها بواحد من الطرفين « الايجاب والنفي » ومنها ما هو مبيّنة واضحة لدى العقل مع غضّ النظر عن كل شيء والاقتصار على لحاظ نفس القضية فيجب أن تكون تلك القضايا مقدّمة
__________________
(١) نهاية الدراية : ج ٢ ، ص ١٢٤.