ملائمة لذلك والبعض الآخر منافياً له. فيصف الملائم بالحسن ولزوم العمل ، والمنافي بالقبح ولزوم الاجتناب ، وبما أنّ هذا الموضوع يحتاج إلى بسط في الكلام حتى يعلم اتّفاق القولين في الهدف والمرمىٰ نقوم بالاسهاب فيه.
إنّ واقع الانسان يتألّف من قوى الشر والخير ، الحيوانية والإنسانية ، ولكلّ دوره في حياة الانسان ، غير أنّ واقع الانسان يتمثّل ويتجلّى في الجانب الثاني ، ففي الجانب الأوّل تتجلّى الشهوة والغضب والأنانيّة والقسوة وغيرها من رذائل الأخلاق كما أنّ الجانب الثاني تتجلّى فيه القيم الأخلاقية والمثل الإنسانية وغير ذلك من خصال الخير ، وهذا الجانب هو الأصيل في الانسان دون الجانب الأوّل.
والشاهد على ذلك انّه عند ما يقع الانسان في صراع بين جانبيه : الحيواني والانساني « الملكوتي » فإذا غلب الجانب الثاني على الجانب الأوّل ، يحسّ من صميم ذاته بالسرور والرضا ، فلو كان واقع الانسان يتمثّل في الجانب الحيواني لما صحّ السرور والرضا لأنّ المفروض مغلوبيّة القوى الحيوانية والمغلوب يكون محزوناً لا مسروراً ، وهذا يفيد بجلاء إنّ واقع الإنسان هو الجانب الثاني أي كونه موجوداً ملكوتياً ، إلهيَّ النزعة ، طالبا للخير والكمال والسموّ والارتقاء.
فلو أراد القائل من كون ملاك حكم العقل هو موافقة الحكم للطبع هو ما ذكرنا فنعم الوفاق ، وإلاّ فهو غير تام كسائر الأقوال.
وإن شئت قلت : لا حقيقة للحسن والقبح إلاّ كون الشيء ملائماً لطبع الانسان أو غير ملائم ، لكنّ المراد منه ليس هو الطبع السافل بل الطبع العالي ، والطبع العالي ينزع إلى الخير ويميل إلى الكمال ، والطبع السافل ينزع إلى الشرّ ، فكل فعل أحبّه الإنسان بروحه المتعالية وعقله المتكامل فهو حسن ، وكل ما وقع في خلاف ذلك يعدّ قبيحاً ، وعلى ضوء ذلك تقدر على تحليل جميع الأمثلة.