إذا كان الميزان في الحكم بالحسن والقبح وفي الحكم بالقيم الأخلاقية هو درك العقل مع غضّ النظر عن كل شيء على ما ذكرنا ، أو كون القضية المدركة مطابقة للجانب المثالي الأعلىٰ للإنسان ، تقف على أنّ هناك اُصولاً أخلاقيّة ثابتة لا تتغير مع مرور الدهور والعصور ، وتبدّل الحضارات ، لأنّ الشخصيّة المثالية العليا في الكيان الإنساني ثابتة لا تتغير ولا تتبدل.
فإذا كان الملاك هو الملائمة والمنافرة بالقياس إليه تصبح الاُصول ثابته دائمة بثبات الحيثية العليا من الإنسان ودوامها.
ولأجل ذلك إنّ الاُصول الأخلاقيّة لا تختلف عند الأمم والشعوب لأنّهم متشابهون ومتشاركون في الجانب الأعلى للانسان ، نعم يختلفون في العادات والأخلاق التابعة للمحيط والعائلة وليس لها جذور في الفطرة الإنسانية.
نعم يختلفون في الأشكال والصور والتجلّيات والمظاهر ويتّحدون في اللبّ والجوهر ، فالكل يحكم باحترام المعلّم والاستاذ لأنّ عقله يحكم بلزوم إحسان المحسن وقبح إساءته غير أنّهم يختلفون في كيفيّة الاحترام ، وهذا الاختلاف نابع من التقاليد والعادات ، فربما يحترمون بالقيام عند الورود واُخرى برفع القلنسوة عن الرأس وثالثة ...
٦ ـ الاُصول الثابتة في الشرائع السماوية
لا شكّ انّ هناك اُصولا ثابتة في جميع الشرائع السماوية من حرمة الشرك بالله تعالى في العبادة وحرمة الظلم ولزوم تكريم الوالدين وغير ذلك ، وما ذلك إلاّ لأنّ الاُصول الثابتة توافق الجانب الأعلى من الإنسان وهو ثابت عبر القرون والعصور ، وبذلك يتجلّى سرّ خاتميّة الاسلام ودوام اُصوله الخلقية ، وتشريعاته المطابقة للشخصية الانسانية العالية ، فبما أنّ الشخصيّة المثاليّة لا تمسّها يد التغيّر والتبدل