المصائب المحزنة آثار تربويّة مهمّة في حياة البشر ، ولأجل ذلك وقعت في حيّز الخلق وذلك من باب تقديم الخير الكثير على الشرّ الكثير ، وإليك بيان تلك الآثارالتربويّة.
يحطّ الإنسان قدمه على هذه الأرض وهو يحمل في كيانه جملة كبيرة من القابليات والمواهب التي تبقى في مرحلة القوى وفي صورة الطاقات المعطّلة المخزونة ، إلاّ أن تتوجّه إليها صدمة قويّة تحرك القابليات ، وتفجّر المواهب ، وتظهر المعادن ، وتصقل الجواهر.
وبعبارة واضحة : إذا لم يتعرّض الإنسان للمشاكل في حياته فإنّ قابليّاته ومواهبه المكنونة بين جوانحه ستبقى جامدة هامدة لا تنمو ولا تنفتح ، بل تبقى في مرحلة القوّة والذخيرة المهملة ، فإذا تعرّض الإنسان للمشاكل والمحن تفتّقت فيه تلك القابليات ، ونمت تلك المواهب ، وانتقلت الطاقات الكامنة من مرحلة القوّة إلى مرحلة الفعلية ، وتفتّح فكره ، وتكامل عقله.
ولا يعني هذا أن يعمد الإنسان بنفسه إلى خلق المشاكل ، وإثارة الشدائد والمصائب وجرّها إلى نفسه ابتداءً ، بل يعني أن يستقبلها الإنسان ـ إذا جاءت ـ برحابة صدر ، ويستفيد منها في تفجير قابلياته ، وتنمية مواهبه ، وإذكاء عقله ، وتقوية روحه ، لا أن يستسلم أمام عواصفها ، أو ينهزم أو ينهار ، فلا يحصد إلاّ الخسران ، ولا يقطف إلاّ ثمرة السقوط المرّة.
إنّ البلايا والمصائب والمحن خير وسيلة ـ لو أحسن المرء استغلالها واستخدامها ـ لتفجير الطاقات ، بل تقدّم العلوم ، ورقيّ الحياة البشريّة.
فهاهم علماء الحضارة يصرّحون بأنّ أكثر الحضارات لم تتفتّق ولم تزدهر إلاّ
__________________
(١) لاحظ : الله خالق الكون ص ٢٧٠ ـ ٢٧٧ ، فقد نقلناه منه.