إنّ التمتع بالمواهب المادية ، والاستغراق في اللذائذ والشهوات يوجب غفلة كبرى عن القيم الأخلاقيّة.
فكلّما ازداد الإنسان تعمّقاً في اللذائذ والنعم ، ازداد ابتعاداً عن الجوانب المعنوية ، وربّما انتهى به الحال إلى أن ينسى نفسه بالمرّة.
وهذه حقيقة يلمسها كلّ فرد في حياته وحياة غيره ، كما يقرأها في صفحات التاريخ.
فلابد ـ حينئذ ـ من وخزة للضمير ، وهزّة للعقل ... لابد من جرس للانذار يذكّر الإنسان بنفسه ويفيقه من غفوته ، وينبّهه من غفلته ، وليس هناك ما هو أنفع ـ في هذا المجال ـ من بعض الحوادث التي تغيّر رتابة الحياة ، وتقطع على الإنسان شروده وغفلته ، ولهوه ولذّته ، فإذا انقطع نظام الحياة الناعمة بشيء من المزعجات ، واعترضت لذّته بعض المنغّصات ، استيقظ من نومه ، وأدرك عجزه ، وتخلّى عن غروره ، وخفّف من طغيانه.
إنّ الذي يعيش حياة ناعمة رتيبة يشبه إلى كبير من يركب في سيارة يقودها سائق ، تسير على طريق مبلّط فيغطّ في نوم عميق ، لا يستيقظ منه إلاّ إذا كبس السائق على فرامل السيارة فجأة ، وتوقّفت دون سابق اخبار ، أو مرّ على قطعة غير مبلّطة ، فأحدثت رجفة قويّة.
ولهذا تعمد الأجهزة المسؤولة عن الطرق والمواصلات إلى غرس بعض القطع الناتئة على متن الطرق حتى يوجب ذلك تنبيه السائقين بسبب ما تحدثه من هزّات للسيارة كيلا يستسلموا للنوم والنعاس.
ولأجل ذلك يتّضح وجه ربط الطغيان باحساس الغنى والاستغناء في الكتاب العزيز إذ يقول سبحانه :
( إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ ) ( العلق / ٦ و ٧ ).