لأنّه لو لم يكن عالماً لما وقع على هذا الوجه من الإحكام والنظام ، والاختلاف في بعض الأحوال ولمّا كان ذلك واقعاً على حد واحد ، ونظام واحد ، واتساق واحد دل على أنّ صانعه عالم » (١).
وهناك ـ وراء الإستدلال العقلي والنظر في آثار الرب ـ طريقان آخران نشير إليهما.
إنّ الوحي ادراك مصون عن الخطأ والزلل كما أنّ السنّة الصحيحة فرع من فروعه فكلّ ما ورد في الكتاب والسنّة من الإلهيات والمعارف ، يصلح الاستدلال به غير أنّ الآيات القرآنية في ذلك المجال على قسمين : فتارة تتخد لنفسها موقف المعلم والمفكّر الذي يريد تعليم اتباعه فيكون موقف المخاطَب عندئذ موقف الاستلهام والاستعلام كما هو الحال في البراهين التي أقامها القرآن في مجال اثبات الصانع ونفي الشريك عنه وكثير من صفاته الثبوتية ، فتكون تلك الآيات حجّة عقليّة من دون استلزام الدور ، واُخرى يتخذ لنفسه موقف الرسول المتكلّم باسم الوحي المنبئ عن الله سبحانه فعندئذ يكون قوله حجّة تعبديّة ولا يمكن الاعتماد على مثله إلاّ بعد ثبوت وجود الصانع وبعض صفاته وثبوت النبوّة العامّة والخاصة ، ولكن الغالب على الآيات القرآنيه والسنّة الصحيحة المرويّة عن أئمّة أهل البيت هو الأوّل. يقف على ذلك من خالط القرآن روحه وقلبه وقرأ القرآن متدبّراً متعمّقاً.
هناك طريق رابع وهو التعرّف على الحقائق من خلال الكشف والشهود ، والقائلون به يرون أنّ سبيل الحصول على حقائق المعارف هو السعي إلى صفاء القلب
__________________
(١) الاقتصاد ، الهادي الى سبيل الرشاد ص ٢٨ ، ولاحظ إرشاد الطالبين للفاضل المقداد ص ١٩٤.